احنا هنا

٢٠ أكتوبر ٢٠٢٥

ملاذ بلا عدالة” هل يتجاهل القانون المصري جرائم العنف الجنسي ضد الناجيات السودانيات”

قامت بكتبتها / فاطمة الزهراء محمد
فرضت حرب 15 أبريل 2023  بالخرطوم واقعاً امنياً مختلفاً للنساء السودانيات وجدت آلاف النساء السودانيات أنفسهن مضطرات لعبور الحدود نحو مصر، حاملات معهن ذاكرة الحرب و واقعًا جديدًا لا يقل قسوة عن  الواقع الذي هربن منه،  فمخاطر  العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي لا تعرف الحدود فتلاحقهن حتى في المنفى  بينما تعيق الحواجز الاجتماعية والقانونية قدرتهن على الوصول إلى العدالة.

فبين الخوف من الوصمة الاجتماعية، والقلق من فقدان الوضع القانوني أو الترحيل، تجد كثير من اللاجئات والنازحات السودانيات أنفسهن في مواجهة سؤال مؤلم: كيف يمكن لهن المطالبة بحقوقهن في بيئة قانونية واجتماعية لا يعرفنها جيدًا ولا يثقن بقدرتها على إنصافهن؟

الإطار القانوني لجريمة التحرش في مصر

جرم المشرّع المصري التحرش الجنسي بموجب المادة (306 مكرر أ) من قانون العقوبات بعد تعديلها بالقانون رقم 141 لسنة 2021، والتي نصت على أن:

"يُعدّ تحرشًا جنسيًا كل من تعرّض للغير في مكان عام أو خاص أو عبر وسائل التواصل، بإيحاءات أو أفعال أو كلمات ذات طبيعة جنسية…"

كما شدد القانون العقوبة إذا كان الجاني في موقع سلطة أو استغل ظروف الضحية، ما يجعل النص منسجمًا مع المعايير الدولية لحماية النساء من العنف

القانون المصري لا يميز في الحماية الجنائية بين المواطن والأجنبي ويحق لكل سودانية التقدم ببلاغ و تقييده ضد أي انتهاكات تتعرض لها بغض النظر عن وضعها القانوني بالبلاد 

إلا أن الواقع العملي يرسم صورة أكثر تعقيداً،فاللاجئات المسجلات لدى المفوضية يتمتعن بدعم قانوني نسبي من خلال شركائها المحليين مثل كاريتاس مصر ، بينما النازحات غير المسجلات يواجهن صعوبات أكبر في التبليغ خشية الملاحقة أو الترحيل أو بسبب غياب الوعي بالإجراءات و تقول “ملاذ (25 سنة )، نازحة سودانية تعيش في أسوان  منذ عام:"الناس قالوا لي ما تمشي القسم، يمكن يقبضوك لأنك ما عندك إقامة، خفت وسكت". هذه العبارة البسيطة تلخص أزمة الصمت التي تخنق الناجيات من العنف الجنسي وسط مجتمع اللاجئين والنازحين في مصر. وبجانب آخر تمثل الضغوط الاجتماعية و الوصمة ضغطاً هائلاً على النساء مما يدفعهن للتنازل عن حقوقهن و ذكرت غادة (28 سنة) " بعد تعرضي للتحرش الجنسي و التبليغ عنه تعرضت لضغوطات وتهديدات للتنازل عن المحضر بحجة أن الجاني  اخد عقابه  لمدة يوم بالحبس  و أن تم حبسه لمدة أطول سوف يكون الانتقام شديداً" و ذكرت ايضاً اللوم الشديد الذي وجه لها بسبب التبليغ و انه من الاجدر لها الصمت حتى لا يتحدث الناس عنها بسوء " ان الذهاب لاقسام الشرطة ما حق بنات الرجال". 

 التحديات العملية في الوصول إلى العدالة

رغم وضوح النصوص القانونية، تظل الطريق إلى العدالة مليئة بالعقبات التي تخلق حالة تمييز مركب و أبرزها: 

  •  نقص الترجمة القانونية والدعم النفسي داخل أقسام الشرطة.

  •  ضعف التنسيق بين الجهات الحكومية والمنظمات الحقوقية.

  •  العوائق الثقافية والاجتماعية التي تردع النساء عن الإبلاغ.

  •  الخوف من فقدان الإقامة أو التعرض للاستجواب الأمني.


 

الإطار الدولي والالتزامات القانونية

تلتزم مصر بموجب اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)و  اتفاقية اللاجئين لعام 1951 بضمان حق جميع النساء، دون تمييز، في الحماية من العنف والوصول إلى العدالة.

لكن تطبيق هذه الالتزامات يتطلب مواءمة أكبر بين السياسات الوطنية والواقع الميداني، خصوصًا في التعامل مع الفئات الأكثر هشاشة مثل اللاجئات والنازحات.

 

 الدور التكميلي للمنظمات الحقوقية

تسهم منظمات المجتمع المدني في سد فجوة الحماية عبر تقديم الدعم القانوني والنفسي للناجيات كما أن لها دور كبير في التوعية بالحقوق القانونية من خلال وصولهم لهذه الفئات، ومن المهم تعزيز شراكتها مع المفوضية لتوفير مرافقة قانونية خلال مراحل التحقيق والمحاكمة، وتدريب عناصر الشرطة على منهج "الاستجابة الحساسة للنوع الاجتماعي".

 

نحو عدالة متاحة للجميع

التحرش مش واقعة استثنائية، دي ممارسة متكررة في واقعنا، بل تعبير عن هياكل اجتماعية تهمش النساء وتضاعف ضعف الفئات غير المحمية قانونيًا والسكوت عنه يعني قبول استمراره لذلك، فإن تمكين النساء السودانيات من الوصول للعدالة لا يتطلب فقط قانونًا صارمًا، بل تتطلب تفعيل النصوص القانونية القائمة ضمن إطار حقوقي شامل لا يميز على أساس الوضع القانوني أو الجنسية و بيئة آمنة ولتحقيق ذلك لابد من:

  • إنشاء وحدات شرطة نسائية مختصة بقضايا اللاجئات.

  • توفير مترجمين قانونيين في أقسام الشرطة لان العديد من النساء السودانيات يواجهون مشكلة تواصل بسبب فوارق اللغة و اللهجات المحلية.

  • تدريب محاميات سودانيات ومصريات على آليات التقاضي الخاصة باللاجئين.

  •  دمج قضايا اللاجئات والنازحات في الخطط الوطنية لمناهضة العنف ضد المرأة.


 

مقالات اخري

article 1
١٨ أكتوبر ٢٠٢٠
كيف زاردت الولادة القيصرية بهذا القدر ؟
أسباب ارتفاع نسب الولادات القيصرية: بين الطب والمجتمع والتجربة الشخصية اتت الولادات القيصرية كحل طبي للولادات المتعسرة أو الحرجة ولكن سرعان ما تبدل الحال في السنوات الأخيرة  بازدياد مبالغ فيه للولادات القيصرية مقابل الطبيعية بشكل لافت في كثير من دول العالم، ولا سيما في العالم العربي وحظيت مصر بأعلى نسب الولادات القيصرية حيث وصلت الى  […]
قرائة المزيد
article 1
١٨ أكتوبر ٢٠٢٠
الزواج ليس معيارًا: كيف تحولت الحالة الاجتماعية إلى عبء على الفتيات؟
   يطلق المجتمع على الفتيات المتأخرات في الزواج مسمى “العنوسة” ، وهو  تعبير يحمل دلالات سلبية  غير دقيقة، تؤثر نفسياً على الفتيات، رغم ان قيمة الفرد لا تقاس بالزواج بل بإنجازاته و تحقيقه لذاته أبسط الحقوق محاولة تحقيق الذات فالنجاح يقاس بالإنجازات التي يقدمها، ففي هذا العصر مع تقدم المجتمعات أصبحت النساء و  الفتيات تلتفت […]
قرائة المزيد