احنا هنا

٠١ ديسمبر ٢٠٢٤

“عيادة النساء محظورة على الفتيات” قيود تهدد صحتهن

قامت بكتبتها / منة الله متولي

في مجتمعاتنا، تُعتبر زيارة طبيب/ة النساء للفتيات غير المتزوجات وصمة اجتماعية كبيرة، وغالبًا ما تُثار تساؤلات أكبر من حجم الموضوع حول "السمعة" بمجرد الحديث عن متابعة طبية بسيطة. إلى جانب ذلك، تُعتبر الدورة الشهرية موضوعًا محظورًا لا يُناقش، مما يزيد من عزل الفتيات عن فهم أجسادهن والاعتناء بصحتهن. فيلجأن إلى العادات الصحية الشعبية أو الوصفات البديلة لتخفيف الآلام، والتي بالطبع لا تكون حلًا جذريًا للمشكلات الصحية التي يواجهونها، بدلاً من زيارة طبيب/ة النساء لارتباط ذلك بأنها وصمة اجتماعية للفتاة غير المتزوجة وأن هذا "غير لائق"، مما يشكل حاجزًا نفسيًا واجتماعيًا يمنع الفتيات من طلب الرعاية الصحية التي يحتاجونها.


"كنت أعاني من آلام شديدة أثناء الدورة الشهرية، وعندما طلبت من والدتي أن أزور طبيب نساء، ردت علي: كل البنات بيكون عندهن آلام أثناء فترة الدورة الشهرية؟" هكذا روت سارة ممدوح، إحدى المتضررات لجندريست عن تجربتها مع حرمانها من زيارة طبيب/ة النساء بسبب القيود الاجتماعية، مما يعكس تأثير هذه الممارسات على صحة النساء وحقوقهن في الحصول على الرعاية الصحية اللازمة.


تحدثت ر.ع، طالبة جامعية، مع جندريست عن قصتها قائلةً: "في فترة ما في حياتي، كنت في الـ18 من عمري، كنت أعاني من آلام صحية، وكنت أشك في وجود مشكلة بالرحم لأنني كنت أعاني من اضطراب في الدورة الشهرية وألم شديد مصاحب لها. اقترحت والدتي اصطحابي إلى طبيب/ة نساء، إلا أن عمتي اعترضت بشدة على ذلك، وحرضت أبي على منعنا من الذهاب، زاعمة "إني بدلع". استجاب أبي لضغطها، ومنع والدتي من اصطحابي إلى الطبيبة. توجهنا إلى العلاجات الشعبية، مما أدى إلى تفاقم حالتي الصحية. وعندما استطعت الذهاب إلى طبيب/ة نساء أخيرًا، كنت في الـ21 من عمري، وما زلت في مرحلة علاج بسبب تأخري في زيارة الطبيب في الوقت المناسب".


وقالت بسملة محمد: "كنت دائمًا أعاني من آلام شديدة في أسفل بطني، ولكن كنت أقول لنفسي إن هذا أمر طبيعي لأن كل الفتيات يعانين مثلي. وعندما قررت إخبار خالتي بدلاً من أمي، اصطحبتني للطبيب، واكتشفت أنني كنت أعاني من التهابات تحتاج إلى علاج فوري. قالت لي خالتي: "لو كنتِ سألتي من قبل، كان العلاج هيكون أسهل بكثير"، لكنني لم أكن أعلم أن من الطبيعي أن نزور طبيب/ة نساء حتى لو لم نتزوج بعد".


هذا السيناريو يتكرر يوميًا. الفتيات يترددن في طلب المساعدة الطبية خوفًا من الوصمة والتعنيف من الأهل و رد الفعل "عيب، مينفعش البنت تروح قبل الجواز"، مما يؤدي إلى تفاقم مشكلات صحية مثل الالتهابات، اضطرابات الهرمونات، وغيرها..


أضافت منال عبد الباسط: "بالنسبة لأهلي، هم يدعموني خاصةً عندما أكون خجولة. لكن المشكلة كانت عندما أذهب إلى العيادة، حيث إن السيدات هناك إذا عرفوا أنني عازبة، كانوا يسألونني لماذا اخترت الذهاب إلى طبيب بدلاً من طبيبة، وكأن من العيب أن أذهب إلى طبيب، خاصة إذا لم أكن متزوجة. لم يقتصر الأمر على ذلك، بل أن الممرضة كانت تسألني عن السبب في حضوري، رغم أن هذا أمر شخصي، خصوصًا إذا كنت ذاهبة برفقة صديقة أو أخت، أو حتى إذا كنت بمفردي".


وأوضحت آية سيد: "كانت أمي دائمًا حريصة على أن تفهمني وأشارك في ندوات، خصوصًا في سن البلوغ. وإذا كان هناك شيء مهم، كانت حريصة أن أراجع الطبيب وألا نستهين بأي ألم في تلك المنطقة حتى لا تحدث مضاعفات. أهلي كانوا موافقين وشجعوني حتى أذهب للطبيب/ة بمفردي. لكن المشكلة كانت أن كل من حولي كانوا يستغربون فكرة أنني أذهب إلى طبيب/ة نساء قبل الزواج، وكانوا يعتقدون أنه يجب أن أكون متزوجة لكي أذهب. وكان الناس يظنون أنه لا يجب أن يعرفوا أو يروني هناك لكي لا يطلقوا عليّ أحكامًا. ما جعلني أكره فكرة الذهاب إلى دكتور/ة النساء هو أن الممرضة قالت لي: "اتفضلي يا مدام"، وكأنها تؤكد في ذهني فكرة كلام الناس وأنهم يتوقعون أنني يجب أن أكون "مدام" - متزوجة - لكي أذهب. بعد كلمة الممرضة، توقفت عن التفكير في الذهاب إلى دكتور/ة النساء".


أوضحت د. نورهان مجدي، طبيبة النساء والتوليد: "تميل المجتمعات التي تصف نفسها بالمحافظة إلى وضع حاجز نفسي وثقافي يمنع الفتيات من زيارة طبيب/ة النساء، حيث ارتبط هذا التخصص في أذهان كثيرين بالولادة، التي تُعتبر في مجتمعاتنا محصورة في إطار الزواج الشرعي والقانوني. نتيجة لذلك، أصبح الزواج العامل المشترك بين معظم المترددات على عيادات النساء والتوليد، وهو تصوّر شائع لكنه خاطئ. هذا التفكير الخاطئ ليس مرتبطًا بمستوى التعليم أو الثقافة فقط، بل يعكس تربية مجتمعية ووعيًا جمعيًا خاطئًا توارثته الأجيال".


إهمال زيارة طبيب/ة النساء في الوقت المناسب يؤدي إلى عواقب صحية جسيمة، مثل: التأخر في اكتشاف العيوب الخلقية المتعلقة بالدورة الشهرية، التشخيص المتأخر لأمراض مثل اضطرابات الهرمونات أو البطانة المهاجرة، تأخر علاج الأمراض النسائية الأخرى، مما قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة، تصل في بعض الحالات إلى العقم.


وأضافت: "أؤكد على أهمية التعامل مع الفتيات برفق وتفهم، دون لوم أو اتهامات بالتقصير تجاه صحتهن. يجب توفير بيئة داعمة تساعدهن على الشفاء سريعًا، مع تقليل الأعراض الجانبية الناتجة عن التشخيص المتأخر. لابد من كسر هذه الحلقة المفرغة من الخوف، والنظر إلى تخصص النساء والتوليد باعتباره ضرورة طبية، وليس بوابة مشروطة بالزواج فقط".


علقت منى شعبان، منسقة مبادرة "ياء الملكية" المعنية بالتثقيف الجنسي و الإنجابي: "العادات والتقاليد تؤثر على صحة الفتاة بعدم زيارتها لطبيب/ة النساء، لأن هناك مشاكل صحية خصوصًا في الجهاز التناسلي للنساء يحتاج إلى استشارة الطبيب. منع الفتاة غير المتزوجة من زيارة الطبيب يعرضها إلى مشاكل صحية خطيرة، وبعضها قد يؤدي إلى الوفاة. كما تؤثر هذه التقاليد والعادات على عدم اتخاذ الفتاة قراراتها في الصحة الإنجابية والجنسية لنفسها، حيث يكون ولي الأمر هو المسؤول عن هذا، سواء كان والدها أو والدتها. وعندما يكون هناك مرض خاص بالجهاز التناسلي، قد تكون الفتاة غير قادرة على التعبير عنه خوفًا من وصم المجتمع لها، وتخشى من أن يثير أهلها الشك في سلوكها".


وأكدت: "يجب أن يكون طبيب/ة النساء متخصصًا في فحص صحة أي فتاة أو سيدة، بغض النظر عن حالتها الاجتماعية، سواء كانت متزوجة أم لا. يجب أن تتاح للفتيات الفرصة لزيارة الطبيب/ة للحصول على الرعاية الصحية دون خوف من الوصم الاجتماعي".


إن العادات والتقاليد تلعب دورًا حاسمًا في تحديد مسار صحة الفتيات، وتضع قيودًا غير مبررة على الفتيات في ما يتعلق بصحة أجسادهن، مما يمنعهن من الحصول على الرعاية الطبية اللازمة. هذه القيود تشكل عائقًا نفسيًا واجتماعيًا يحرم الفتيات من اتخاذ قرارات صحية مستنيرة و يدفعهن إلى تجاهل الأعراض أو اللجوء إلى العلاجات الشعبية غير الفعالة.


على الرغم من أن من حق كل فتاة الحصول على الرعاية الصحية، يجب أن يكون هذا الحق محميًا بغض النظر عن حالتها الاجتماعية - عازبة أو متزوجة. يجب أن تكون الأسرة والمجتمع داعمين لها في اتخاذ هذه القرارات من أجل صحتها وسلامتها. ومن خلال حملتنا "أجسادنا قراراتنا"، نود أن نسلط الضوء على أهمية كسر القيود المجتمعية التي تُعيق الفتيات عن الوصول إلى الرعاية الصحية اللازمة، خاصةً في ما يتعلق بصحتهن الإنجابية والجنسية.

مقالات اخري

article 1
١٨ أكتوبر ٢٠٢٠
الابتزاز الالكتروني : عنف رقمى يهدد حياة النساء من وراء الشاشة
في عصر التكنولوجيا المتقدمة و وسائل التواصل الاجتماعي، يُعدّ الابتزاز الإلكتروني أحد أخطر التحديات والجرائم التي تواجه النساء والفتيات يتمثل هذا الابتزاز في تهديد حياة النساء بنشر معلومات حساسة أو صور أو مقاطع فيديو شخصية، في حال لم تخضع الناجية \ الضحية لتهديدات المعتدى، وغالبًا ما تكون هذه التهديدات بغرض الابتزاز للحصول على مكاسب مادية […]
قرائة المزيد
article 1
١٨ أكتوبر ٢٠٢٠
المقال الختامي لحملة ” أجسادنا…. قراراتنا “
مع انتهاء حملة “أجسادنا قراراتنا” التي أطلقناها ضمن فعاليات حملة الـ16 يومًا لمناهضة العنف القائم ضد النساء، والتي امتدت من 25 نوفمبر حتى 10 ديسمبر، سعينا من خلال حملتنا إلى إعلاء صوت النساء في المطالبة بحقوقهن الجنسية والإنجابية باعتبارها حقًا أساسيًا للنساء، وكركيزة جوهرية لتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة بين الجنسين، والتأكيد على أن هذه الحقوق […]
قرائة المزيد