احنا هنا

٢٦ يناير ٢٠٢١

علاقة حميمية من طرف واحد!

فكرة أن الرجل -وحده- خليفة الله في أرضه، له فيها ما ليس لغيره من الأنواع، تتعدد حقوقه حتى تتعدى على حقوق سواه -إن كان لسواه أية حقوق في الأصل- وتتعاظم امتيازاته حتى تضم إمكانية استخدام واستغلال أي نوع آخر مُسخرًا إياه لخدمته وإمتاعه، وإلا فما الجدوى من تعدد الأنواع؟
هي فكرةٌ ظنناها، أو لعلي ظننتها اندثرت مع انقضاء آخر أيام القرن الماضي، لكني وللدهشة بت أشهد جانبًا منها في ممارسات شبه يومية لذكور اليوم وإن لم يعبر عنها بعضهم صراحةً بحديث.
وتسلتزم مثل تلك القناعة أسلوب حياة معين لا يُكتفى بممارسته حيال الشؤون العامة وما يخص الأسرة فحسب، بل يمتد أثره ليطول غرف النوم وما يدور بها من علاقة حميمية بين مَن مِن المفترض أن يكونا شريكي حياة!

هو فاعل بالضرورة، "رجل" تقتضي "رجولته" إثباتًا، وإنسان تستلزم غرائزه إشباعًا، بصرف النظر عن رضا المفعول بها -"المرأة"، ناقصة الإنسانية-، أو مدى استعدادها الجسدي والنفسي، وتقبلها الوقتي أو عدمه.
فباعتبارها زوجته و"حلاله" بحكم ما غرِم من صداق وما
قدم من قرابين في السابق، وبحكم إعالته للأسرة آنيٍا، يبيح الزوج لنفسه اختيار أوقات وأحوال ممارسة العلاقة الزوجية بحسب حاجته، دون أدنى استيعاب لفكرة أن للطرف الآخر حق يوازي حقه في الاختيار والتقرير.
وأمثال هؤلاء من معتنقي فكرة انعدام حق المرأة في الإحجام وقت الطلب، لنا تخيل موقفهم من فكرة حقها المطلق فيما يتعلق بالإقدام والمبادرة ذاتهما كأفعال لا مجرد ردود أفعال، حيث الجسد هو الجسد والاحتياجات هي الاحتياجات، لكن كيف ل"حيّيّةٍ متأدبة" أن تطالب هي بمثل هذا!

اختزال البعض جريمة الاغتصاب الزوجي في فكرة استخدام أساليب عنيفة ومؤذية، ليس من شأنه إلا مفاقمة المشكلة عوضًا عن حلها، حيث يتمادى كل جابر لزوجته تحت ضغط أو تهديد شفهيين فيما يفعله بحجة ألا وجود لتعنيف!، ولعله لا يحتاج احتجاجا أو إثباتا من الأساس، حيث لا تجريم لمثل هذا الجرم في القانون المصري حتى الآن، بل لا وجود لمصطلح الاغتصاب الزوجي ذاته!
وبعيدًا عن القانون وما يقتضيه، كيف يمكن لإنسان فعل ما تستنكر الحيوانات فعله من ولوج بغير رضا، كيف يقبل على نفسه ممارسة علاقة أساسها الانسجام وتبادل المشاعر اللطيفة قسرا وإجبارا؟ وكيف يمكن لعينيه أن تقابل عينيها لاحقًا دون شعور بالخزي والهوان؟
كيف للأسرة -لبنة المجتمع وأساسه- أن يكوّنها شريكان يستأثر أحدهما بكل ما يمكن تشاركه؟
كيف للزوجة أن تستقبل طفلا أتى كنتيجة لعلاقة مماثلة، بل وأن تقدم له ما يحتاج من العطف والحنان؟
والسؤال الأكثر إثارة للحيرة فيما يبدو لي: هو كيف لعلاقة رضائية بالمنزلة الأولى أن تمارس بشكل غير رضائي؟، إن غياب الرضا التام -ليس الرضا فحسب- عن أي علاقة يجعل منها علاقة غير سوية، فما الحال إن تمت على أساس الجبر والإكراه؟

بمبررات ينسبها للدين والمجتمع، يعرّض الزوج زوجته لحالات اكتئاب حادة، ولزعزعة عظيمة لثقتها بنفسها وبسائر محيطيها، فضلا عن سلبها أي احتمال لشعور بأمان مطلق لا يشوبه خوف أو قلق.
من جهة، الشكوى للمقربين لا تجلب إلا مزيدا من التعنيف على "التقصير في حج الزوج وعصيانه"!، ومن جهة أخرى، اللجوء لفكرة الانفصال أو طلب الطلاق لا يناسب كثيرات بحكم انعدام الاستقلال المادي ومن ثم العجز عن سد حاجة الأسرة، فما أشبه اليوم بالبارحة وما أشبه ما تسمى "علاقات زواج" الآن، بعلاقات الاسترقاق قديمًا!

إغفال مشكلة ما لا يقتضي انعدام وجودها، وإن غُض الطرف عن ما تعانيه الزوجات الفرادى من أضرار نفسية وجسدية تلحق بهن نتيجة ممارسة دورية لعلاقة كتلك، فلا يمكن للطرف أن يغض عن مجتمع برمته مضروب في أساسه، مشتتة علاقات أفراده، ضائعة الثقة بين شركاء أسره بعضهم البعض.
علاقة، تستلزم طرفان لحدوثها، لا يمكن بأي حال أن يديرها أحدهم دون الآخر، وإلا غدت علاقة مسمومة تهدم في طرفيها ما افتُرض أن تبني، وتحطم فيهم ما وجب أن ترمم وتجبر.

مقالات اخري

article 1
١٨ أكتوبر ٢٠٢٠
الأم العاملة في مصر… بين حماية القانون وواقع التمييز
تعاني العديد من الأمهات من تمييز غير عادل في سوق العمل، حيث يُمنعن من التوظيف أو يُقيد حضورهن المهني بسبب مسؤولياتهن الأسرية. يُبرر ذلك عادةً بعدم قدرتهن على التوفيق بين العمل والدور المتوقع والمفروض عليهن كأمهات، مما يدفع بعض أصحاب الأعمال، خاصة في القطاع الخاص، إلى تجنب توظيفهن. ففي العديد من الحالات، يُستبعدن من فرص […]
قرائة المزيد
article 1
١٨ أكتوبر ٢٠٢٠
الإقصاء المقنّع: حين يتحول الجمال إلى شرط وظيفي
في كل خطوة تخطوها النساء نحو تحقيق ذاتها المهنية، تقف أمامهن عوائق كثيرة، بعضها يظهر للعيان، والآخر خفي. لكن من بين أكثر هذه العوائق صمتًا ، يأتي التمييز القائم على المظهر، ذلك الحكم غير المعلن الذي يُمارس على النساء في أماكن العمل، كأن وجوههن وسيلة لقياس قدراتهن، لا خبراتهن أو إنجازاتهن. في العديد من الوظائف، […]
قرائة المزيد