غالبًا ما تنتهي مسؤوليات الرجال بانتهاء ساعات العمل الرسمية، لكن النساء ، في كثير من البيوت والمجتمعات، تنتهي في وقت متأخر، لأن "العمل" بالنسبة للنساء لا يقتصر على المكتب أو المؤسسة، بل يمتد ليشمل كل ركن من أركان البيت.
منذ الطفولة، تُربى البنات في مجتمعاتنا على أن المنزل جزء من مسؤولياتهن، بل وأحيانًا من هويتهن، فتجد الأم تعتمد على بناتها في أعمال البيت، بينما يُعفى الذكور غالبًا من هذه المهام. يكبر هذا التصور معهن، فتصبح الفتاة الكبرى مطالبة بتنفيذ معظم الأعمال المنزلية قبل خروجها من البيت أو بعد عودتها من الجامعة أو العمل. لا يوجد نهاية حقيقية لدوامها اليومي؛ عملها في الخارج يتبعه عمل لا يقل مشقة داخل المنزل.
حتى عند الإقدام على خطوة الزواج، لا يُنظر إلى عمل النساء كحق أصيل من حقوقها أو كامتداد طبيعي لطموحهن المهني، بل يُطرح دومًا كعلامة استفهام: "هل ستستمر في العمل بعد الزواج؟" وكأن بقاءها في سوق العمل ليس قرارًا شخصيًا، بل مشروطًا بموافقة الآخرين. في كثير من الحالات، لا يُنظر إلى مؤهلاتها أو حبها لعملها أو حتى احتياجها له، بل يُحصر النقاش حول قدرتها على "التوفيق بين شغلها وبيتها" وتُفرض عليها شروط غير مكتوبة، كأن تحتفظ بوظيفتها فقط إذا لم تتأثر واجباتها المنزلية، أو أن تترك العمل عند ولادة الطفل الأول،أو إذا شعر أحدهم بأن رعاية المنزل لم تكن على مستوى توقعاته – سواء كان ذلك مبنيًا على واقع فعلي أو تصورات نمطية مسبقة.
والمفارقة أن الكثير من الرجال لا يعتبرون أنفسهم معنيين بشؤون التربية أو تفاصيل حياة أبنائهم اليومية. يُنظر إلى الأب على أنه الممول المالي، ودوره يبدأ وينتهي بـ "الخروج صباحًا والإنفاق"، بينما تظل الأم وحدها مطالبة بالقيام بالدور التربوي بالكامل: المتابعة، المذاكرة، التوجيه، الرعاية النفسية والصحية، وكل التفاصيل الدقيقة. أصبح هذا هو "المعروف" في الكثير من البيوت، وكأن رعاية الأبناء شأن نسائي فقط.
حين تعمل النساء خارج البيت، لا يحتفظن بالكثير من استقلالهن المالي كما يُفترض، ففي كثير من الحالات، تساهمن في مصاريف البيت بنصف راتبهن أو حتى بكامله، ولا يمتلكن حتى ذمة مالية منفصلة. كأن مقابل مشاركتهن الماديةيُعتبر انتقاصًا من وقتهن الذي "يجب أن يُسخَّر" للبيت وتربية الأولاد، وليس من حقهن المطالبة بوقت خاص، أو براحة، أو بمساحة مستقلة من القرار.
وفي الوقت الذي تتحمل فيه النساء الجزء الأكبر من الأعباء المنزلية والتربوية، يُنظر إلى مساهمة الرجل –إن حدثت– على أنها "مساعدة" أو "تفضل"، لا مسؤولية مشتركة أو دور متكافئ. يُشاد به فقط إذا غسل طبقًا أو رتّب سريرًا، وكأن ذلك ليس من صميم مسؤولياته كجزء من الكيان المشترك الذي يسمى بيتًا وأسرة. هذه النظرة تعمّق الفجوة، وتكرس عدم المساواة، حيث تُنهك النساء و تستنزف طاقاتها.
تعيش النساء يوميًا معادلة معقدة: موظفة، وطباخة، وممرضة، ومربية، وصديقة، وسيدة أعمال، وحافظة على تفاصيل العائلة الصغيرة والكبيرة. وفي الوقت نفسه، مطالبة بأن تهتم بنفسها وشكلها وراحتها النفسية خصوصًا في المواسم والأعياد، يُطالبن بأن يهتمّــّـن بأنفسهن، وشكلهن، وراحتهن النفسية، خاصة في المواسم والأعياد. يُطالب بأن يكون منزلها في أبهى حلّة، وأن تقضي وقتًا ممتعًا مع عائلتها، دون أن تُهمل نفسها. كل هذا يدعونا إلى إعادة النظر في التوقعات المجتمعية التي تثقل كاهل النساء، وتوزيع الأدوار الاجتماعية بين الجنسين داخل المنزل وخارجه.
دعم الأهل، ووعي الشريك، وتقبل المجتمع لفكرة أن النساء لسن وحدهن المسؤولات عن "كل شيء"، هو ما يمكن أن يخلق مساحة أكثر عدلاً وإنسانية. تطالب النساء فقط بالعدالة، لا يردن أن يُشاد بالرجل لأنه شارك في عمل منزلي، بل أن يُربَّى على أن البيت مسؤولية مشتركة،وأن عملهن ليس تضحية، بل حق. كما أنهن لا يردن أن يتحملن عبء التربية وحدهن، بل أن يكون هناك شريك حقيقي يقوم بدوره في العمل المنزلي بشكل عادل ومساوٍ.