احنا هنا

٢٦ يناير ٢٠٢١

سينيراما المرأة … على مقاعد البدلاء

قامت بكتبتها / نوال محمود
"السينما هي كيفية أن تعيش أكثر من حياة.. حياة جديدة مع كل فيلم تشاهده" روبرت ألتمان (مخرج أفلام أمريكي)
السحر الذي يأخذ ألباب العقول فتقف أمامه مشدوهًا, تسيطر على وجدان المشاهدين وتبعث بهم كالماريونيت فتجعلهم يضحكون.. تبث الرعب في قلوبهم, وإن شئت تجعلهم يؤمنون بالأساطير والخرافات, أو على النقيض تشعرهم بالخزي وتصيبهم بالملل تارة.
صندوق الدنيا حيث يكمن الخيال والإبداع فتطوف بك العالم وأنت رابض مكانك, إنها أعظم وأجمل خدعة عرفها التاريخ..
وعلى عكس المتوقع في أي مجال تكون فيه السطوة المطلقة والخطوة الأولى للرجال, كانت بداية الرحلة ومن غرس النطفة برحم السينما المصرية"امرأة ".
"عزيزة أمير" التي منحتنا فرصة أن نقول بكل فخر أن وراء تأسيس السينما في مصر "ست" في وقت كانت تقاليد المجتمع تنظر فيه لمن يعمل بالسينما نظرة دونية, فما بالك بامرأة تخوض لأول مرة التجربة وتكون أول امرأة مخرجة ومنتجة وممثلة في تاريخ السينما ككل في آن واحد ضاربة بكل التقاليد والعادات عرض الحائط, بل وانتهجت بعدها رائدات أخر لا يقللن أهمية وأكملن مسيرة السينما في مصر منهن: "بهيجة حافظ", أول امرأة قامت بتأليف الموسيقى التصويرية للأفلام في السينما المصرية, و"فاطمة رشدي " و"المنتجة العظيمة "آسيا" التي أنتجت ما يقارب من 70% من تاريخ أفلام السينما المصرية.
وتخلل في تلك الفترات الأولي تجارب لسيدات خضن المجال أيضا لكن للأسف تم إغفال ذكرهن, فكلهن عاشقات نادتهن "نداهة السينما", فوضعن بصمتهن في تاريخ السينما, وأرسين القواعد في محرابها وخطين المسار الذي سار عليه من تلاهم بعد ذلك ومازال حتى الآن بعد مضي أكثر من مائة عام على وجود السينما في مصر يقترن ذكرها بأنها قامت على أكتاف امرأة.
وإذا رصدنا النماذج النسائية في صناعة السينما نجد أنها لا تضاهي نماذج الرجال بل ليست هناك أي مقارنة تذكر في الواقع, حتى وإن كانت أفلامهم تتناول المرأة بشكل عام ومركز, إلا أننا إن أمعنا النظر نجد أنها تحمل في طياتها محتوى ينصاع وراء الثقافة الذكورية, وهذا ليس بالغريب فأغلب الأفلام المصرية جعلت المرأة هي السبب الأوحد في أي خراب وتجلب دائما العار وأداة جنسية خاضعة لتقاليد الرجل الشرقي يفعل بها ما يحلو له ويشاء, وكل ذلك راجع لأن المسيطر بالنسبة الغالبة في الصناعة رجال فبالتالي من حقهم التعبير عن وجه نظرهم أيا كانت, ولكن هذا لا ينفي وجود أفلام قلائل نصفت المراة وجسدت مشاعرها وأحاسيسها وبعدت عن كونها أداة وسلعة خيوطها بين يد الرجل حتى وإن لم تلقى رواجا كباقي الأفلام الأخرى مستهلكة المواضيع مفتقرة إلى الإبداع.
وطوال العقود الماضية هيمن الرجال على قطاع السينما، سواء في الإخراج أو كتابة السيناريو أو التصوير أو الإنتاج, أي هم من يقررن وأصحاب الدفة والتوجيه في حين يقتصر دور المرأة على ظهورهن مثيرات على البساط الأحمر أو الماكياج والتمثيل والمونتاج أحيانا, أي أدوار ومهن حبيسة الغرفة والمكان, وهذا يجعلنا نطرح سؤالا حول سر تلك المعادلة والكيفية وظهور النساء على استحياء في اقتحام عالم الفن السابع وأنهن لا يستطعن عرض قصصهن من وجهة نظرهن على الشاشة, وتفضيل المهرجانات العالمية بمنح جوائزها لأفلام صنعها الرجال على تلك التي تصنعها النساء!
مؤخرا ظهر على الساحة مصطلح "سينما المرأة" ولاقى عدة تفسيرات متنوعة وردود أفعال ما بين مؤيد ومعارض, "سينما المرأة" مصطلح كما تراه المخرجة "أمل رمسيس" مؤسسة ورئيسة مهرجان القاهرة الدولي لسينما المرأة (هي تلك السينما التي تكون صانعتها والقائمة عليها "امرأة", أي تكون مخرجاتها "النساء" فكما هو واضح أن المخرج هو صاحب وجهة النظر في العمل ونرى الفيلم وفقا لرؤية المخرج.
ومن جهة أخرى يصنفه البعض أنه يقصد "أفلام تتناول قضايا المرأة "بصرف النظر عن صانعه وجنسه.
خلاصة القول أنه من الصعب الاختزال وإيجاد مصطلح محدد, فهناك كما أشرنا سابقا مجموعة من الأفلام مخرجيها من الرجال وناصرت قضايا المرأة كما في أفلام "خان" و"خيري بشارة" أبدعوا في تجسيد الشخصيات النسائية الحية على الشاشة من ناحية الصياغة الدرامية والإخراج.
وأبدت أخريات من العاملات في الصناعة تأييدهن للمصطلح وأنها محاولة للسعي حول تمكين النساء في صناعة الأفلام, وفي نفس السياق وعلى النقيض التام تم استغلال وإلصاق صفة "سينما المرأة" في بعض المهرجانات, وأصبحت "سبوبة" يتداولها مديري تلك المهرجانات رافعين شعار "التضامن" و"النسوية" لحشد واستقطاب التجمعات والشريحة النسائية حتى وإن كانوا على غير اقتناع بقضية عمل المرأة وتمكينها في الصناعة.
بصفة عامة فإن السيطرة والهيمنة الذكورية في قطاع السينما هي التي تقف حائلا أمام اقتحام النساء في ذلك المجال, بالإضافة إلي نظرة المجتمع الرافضة لعمل المرأة في السينما وأنه عمل جريء مشين لا يتناسب مع العادات و التقاليد, حتى وإن استطاعت بعض الموهوبات العمل في هذا القطاع يتعرضن أيضا لقمع من قبل المنتجين الرجال ويجدن أنفسهن في حلبة من الدوامات والصراعات, فالمنتجون يترددون كثيرا قبل إسناد أي عمل فني لمخرجة بناءً على اعتقادهم أنها مسرفة, وعدم ثقتهم في إبداعها ورؤيتها الفنية والتخوف الشديد من عدم إقبال الجمهور على مشاهدة الفيلم لكونه من إخراج "امرأة", والفوبيا التي أصدرتها الثقافة الذكورية بأن أي عمل تصنعه "امرأة" غير جيد وليس بالشكل المقبول.
وهكذا تعددت الأسباب والنتيجة واحدة, مازالت المرأة في تحدي وسباق لإثبات ذات في عالم الفن السابع وبين مطرقة وسندان العقلية الرجعية للمجتمع والنظرة الذكورية المهيمنة, وأن المستمرات في النضال على الساحة الفنية بطلات قويات وناجحات رغم أنف مسلسل الاضطهاد والقمع في المجال السينمائي.

مقالات اخري

article 1
١٨ أكتوبر ٢٠٢٠
اختيار النساء لشريك الحياة (حق خاضع للقيد)
“كنتُ أحلم بأن أعيش حياة سعيدة مع هذا الشخص الذي اختاره قلبي، ورسمتُ معه الآمال. لكن الآن، ماتت أحلامي، وأصبحتُ شاحبة الوجه، ولم أعد أفكر في كيفية اتخاذ أي قرار؛ فأصبح كل ما ينطقه لساني هو “حاضر” و”نعم”. أصبتُ بحزن دائم، وأصبحتُ عاجزة، وحتى ابتسامتي على وجهي كاذبة.” هكذا وصفت إحدى النساء شعورها بعد أن […]
قرائة المزيد
article 1
١٨ أكتوبر ٢٠٢٠
في ظل التهميش والتمييز: نظرة على واقع حقوق الصحة الإنجابية والجنسية للنساء والفتيات بمصر
تُعتبر الصحة الإنجابية والجنسية من أهم الجوانب التي تؤثر على حياة النساء، وخاصة الأمهات، سواء على المستوى الجسدي أو النفسي أو الاجتماعي. تعني الصحة الإنجابية توفير الظروف والبيئة الملائمة للنساء لتحقيق حمل صحي وآمن، كما تؤثر الصحة الإنجابية بشكل مباشر على الصحة الجسدية والنفسية للأم. تساعد الرعاية الصحية قبل وأثناء وبعد الحمل في الكشف المبكر […]
قرائة المزيد