احنا هنا

٠٦ ديسمبر ٢٠٢٤

حق مسلوب: قمع القيود القانونية على الإجهاض الآمن للنساء

قامت بكتبتها / آلاء أحمد

في عالم تسعى فيه النساء للحصول على حقوقهن الأساسية، يبقى الإجهاض الآمن واحدًا من أكثر القضايا الجدلية والحساسة. فهو ليس مجرد إجراء طبي؛ بل قضية إنسانية وصحية تمس حياة النساء، خاصةً في المجتمعات التي تواجه نقصًا في الوعي والدعم.


عندما تُحرم النساء من الوصول إلى وسائل آمنة لإنهاء الحمل غير المرغوب فيه، ولا يُصرح به إلا إذا كان الحمل يُشكل خطرًا جسيمًا على حياة الأم، أو إذا أثبتت الفحوص الطبية أن الجنين يعاني من تشوهات خطيرة قد تجعل حياته مستحيلة بعد الولادة، يبقى الإجهاض مقيدًا بحصن ديني وقانوني يجرّمه. لذا، فإن الحديث عن الإجهاض الآمن ضرورة ملحّة لضمان الكرامة الإنسانية وصون حق النساء في اتخاذ قرارات حرة تتعلق بأجسادهن ومستقبلهن.


يظل الإجهاض مُجرّمًا في أغلب الدول العربية مثل الكويت، المغرب، ليبيا، لبنان، سوريا، الجزائر، والإمارات العربية المتحدة، ما عدا تونس التي تعتبر البلد الوحيد في منطقة شمال أفريقيا الذي يُبيح الإجهاض. وفي مصر على وجه الخصوص، تُقيّد النساء من ممارسة حقوقهن في اتخاذ قراراتهن الخاصة بشأن أجسادهن، ويفرض عليهن واقعًا يحمل الكثير من التحديات الصحية والاجتماعية.


وتقول ندى (اسم مستعار)، التي تبلغ من العمر 17 عامًا، سودانية الجنسية وتقيم في محافظة أسوان (مصر)، إنها تعرضت للاغتصاب قبل أشهر على يد فرد من أفراد الدعم السريع في السودان. كان هذا أصعب يوم تعرضت له، وبعد هذا اليوم هربت هي ووالدتها على الفور من السودان إلى أسوان.


وأعتقدت ندى (اسم مستعار) أن هذا الألم والعذاب انتهى، إلا أنها بعد شهر من قدومها إلى أسوان اكتشفت أنها حامل وطلبت من الطبيب إجهاض هذا الطفل، ولكنه رفض بشدة وقال لها إن هذا الأمر غير قانوني ويجب موافقة الزوج على إجراء الإجهاض.


وتضيف أنها حاولت إنهاء هذا الحمل بشكل غير آمن وأخذت بعض حبوب الإجهاض التي تُباع في السوق السوداء، ولكن مع الأسف تم نقلها إلى المستشفى وتم إنقاذها هي والجنين. والآن، ندى (اسم مستعار) لها أكثر من شهرين والدة هذا الطفل الذي جاء بشكل غير شرعي ولا تعرف كيف سيكون مصيرها مع هذا الطفل ولا تعرف كيف ستواجه المجتمع هي وطفلها الذي ليس له أوراق حتى الآن. وتقول: "تمنيته لو أني استطعت التخلص من هذا الحمل بدل العذاب الذي أنا فيه الآن".


وتقول إيمان محمد، طبيبة أمراض نساء وتوليد: الإجهاض غير الآمن يُجرى في ظروف تفتقر إلى الحد الأدنى من المعايير الطبية، حيث يتم تنفيذه من قبل أشخاص يفتقرون إلى المهارات والخبرة اللازمة. وتؤكد طبيبة أمراض النساء والتوليد أن أغلب الحالات التي تصل إلى غرف العمليات تكون لإجهاض جنين متوفى داخل رحم الأم، أو في حالات تهدد فيها صحة الأم أو الجنين إذا استمر الحمل. ومع ذلك، لا تسمح المستشفيات بإجراء عمليات إجهاض للحمل المتعمد، حتى في حالات الحمل الناتج عن الاغتصاب أو اغتصاب المحارم.


وتضيف الطبيبة أن المستشفيات لا تقبل حالات الإجهاض إلا إذا كانت المرأة متزوجة، ويجب تقديم مستندات تثبت الزواج وحضور الزوج معها. وتشير إلى أن عملية الإجهاض لا تُجرى إلا بموافقة الزوج، مما يجعل اتخاذ قرار الإجهاض معقدًا ويتطلب وقتًا إضافيًا، بالإضافة إلى ضرورة الحصول على موافقة الأطباء قبل إجراء العملية.


القيود التشريعية معاناة إنسانية


من الناحية القانونية، تُعد قوانين الإجهاض في مصر مُقيّدة للغاية، حيث يُسمح به فقط في حالات استثنائية، مثل وجود خطر على حياة الأم أو وفاة الجنين داخل الرحم، مع اشتراط موافقة الزوج ووجود إثبات للزواج. هذا الإطار القانوني يترك فجوة كبيرة أمام النساء اللواتي يواجهن ظروفًا قسرية، مثل حالات الحمل الناتجة عن الاغتصاب، ما يُلقي بظلاله على حق المرأة في اتخاذ قرار يتعلق بجسدها وصحتها النفسية والجسدية.


القانون المصري، كما في العديد من الدول الأخرى، يضع قيودًا صارمة تجعل الإجهاض شبه مستحيل من الناحية الإجرائية في حالات الحمل الناتج عن الاغتصاب الجنسي أو المحارم. إضافةً إلى ذلك، يعاقب قانون العقوبات على الإجهاض العمدي إلا في الحالات التي يثبت فيها خطر على حياة الأم، ما يُجبر النساء على اللجوء إلى وسائل غير آمنة لإنهاء الحمل.


وجرى تجريم الإجهاض في مصر لأول مرة عام 1883 في عهد الخديوي محمد توفيق باشا، على غرار القانون الفرنسي في حينه. وحتى الآن في القانون المصري، لا يُسمح بالإجهاض حتى في حالات الاغتصاب أو اغتصاب المحارم بهدف التخلص من حمل غير مرغوب فيه. يُسمح بالإجهاض فقط في حالة وجود خطر على صحة الأم المتزوجة أو الجنين إذا استمر الحمل.


وتنص المواد من 260 إلى 264 من قانون العقوبات المصري على معاقبة النساء والأطباء الذين يُجرون عمليات إجهاض غير قانونية أو يساعدون في إجرائها أو يبيعون عقاقير تُساعد على الإجهاض. يُصنف الإجهاض كجنحة في حال ارتكاب المرأة الحامل الجريمة بنفسها دون تحريض من أحد، أو في حال مكنت الغير من القيام بالجريمة على جسمها باستخدام وسائل الإجهاض. يعاقب القانون بالحبس لمدة أقصاها عامين في حال تصنيف التهمة كجنحة، وفقًا للسلطة التقديرية للقاضي. أما إذا كان الحمل يُشكل خطرًا على صحة المرأة، فيجوز لطبيب النساء إجراء الإجهاض دون أن يُعاقب قانونًا. لكن إذا أجرى الطبيب عملية الإجهاض وهو يعلم أنه لا يوجد سبب طبي يستدعي ذلك، أو إذا قامت المرأة باستخدام الحبوب لإسقاط الجنين، فيُعتبر هذا مخالفًا ويعاقب عليه القانون بالسجن المشدد.


فماذا لو أجرت إحدى النساء عملية إجهاض غير آمنة وتعرضت لأذى جسيم نتيجة تدخل طبيب غير مؤهل أو إجراء غير قانوني؟ هل يُحاسب الطبيب على الأضرار التي لحقت بالمرأة، أم يُعاقب القانون المرأة على اتخاذها قرارًا بإجراء الإجهاض، حتى وإن تعرضت للأذى نتيجة ذلك؟


وردت على هذا التساؤل منال عبد الباسط، محامية: النساء يتحملن وحدهن مسؤولية أي أضرار ناتجة عن إجراء الإجهاض غير الآمن، خاصة إذا ثبت أن الطبيب لم يسبق له متابعة الحالة أو إذا كانت المرأة قد وقعت على إقرار بالموافقة على إجراء العملية، وخاصة إذا قام بإجراء العملية في عيادة خاصة ليست في وحدة صحية أو غرفة عمليات بها رقابة. هذا يشكل تحايلًا قانونيًا خطيرًا ضد النساء، حيث يتم تحميلهن مسؤولية الأضرار الناتجة عن الإجهاض غير الآمن. هذا التحايل يستغل ثغرات قانونية ويزيد من معاناة النساء بدلًا من حماية حقوقهن وصحتهن.


تفاقم المخاطر الصحية والاجتماعية


في سياق القوانين الصارمة المتعلقة بالإجهاض في مصر، نجد أن العديد من النساء يُجبرن على اللجوء إلى وسائل غير آمنة بسبب القيود القانونية المفروضة على إجراء الإجهاض. هذا الواقع يعكس الفجوة الكبيرة بين الحاجة الماسة إلى الإجهاض الآمن وواقع التشريعات التي تُحدّ من قدرة النساء على اتخاذ قرارات بشأن أجسادهن وتؤثر على حياتهن. تقييد وصول النساء إلى الإجهاض الآمن لا يعالج الأسباب الأساسية التي تدفعهن إلى اتخاذ هذا القرار، بل يؤدي إلى تغيّر الظروف التي يتم فيها الإجهاض فقط. في الواقع، هذه القيود لا تقلل من عدد حالات الإجهاض، وإنما تؤدي إلى جعلها تتم في ظروف غير آمنة، مما يزيد من المخاطر الصحية على النساء وفقدانهن لحياتهن.


إن القوانين الصارمة تساهم في ارتفاع نسبة الإجهاضات غير الآمنة. في البلدان التي تفرض قوانين أكثر مرونة، تكون نسبة الإجهاضات غير الآمنة أقل بكثير. أما في مصر، فالحواجز التي تعرقل وصول النساء إلى الإجهاض الآمن تتعدد، منها التكاليف المرتفعة، والوصم الاجتماعي، بالإضافة إلى رفض بعض مقدمي الرعاية الصحية إجراء العملية بسبب تأنيب الضمير أو المعتقدات الدينية. كما أن القوانين التقييدية غير المبررة، مثل تجريم الإجهاض أو تقديم استشارات منحازة، تساهم في صعوبة الوصول إلى الإجهاض الآمن، مما يزيد من معاناة النساء ويحرمهن من حقوقهن الأساسية. وفقًا لتقرير معهد غوتماكر الصادر في 2018، فإن 45% من حالات الإجهاض عالميًا غير آمنة، وتموت أكثر من 22 ألف امرأة وفتاة سنويًا بسبب الإجهاض غير الآمن. أما في مصر، فلا توجد إحصائيات واضحة ومحدّثة حول نسب الإجهاض غير الآمن، مما يصعب تقييم حجم المشكلة بدقة.


ضرورة تشريع الإجهاض الآمن في مصر


تعد قضية صحية وإنسانية ملحة ترتبط بحقوق النساء والمساواة بين الجنسين. يتطلب ذلك إعادة النظر في التشريعات التي تحظر الإجهاض، مع وضع ضوابط قانونية تضمن حماية النساء وتراعي الظروف الإنسانية والاجتماعية. نأمل أن يتم تحسين الخدمات الصحية عبر ضمان وصول النساء إلى حق الإجهاض الآمن في المستشفيات الحكومية والخاصة، وتوفير أدوية معترف بجودتها عالميًا. يجب أن يتم تدريب الأطباء والطواقم الطبية على تقديم الدعم النفسي والطبي للنساء اللاتي يواجهن حملًا غير مرغوب فيه، بالإضافة إلى إنشاء مراكز دعم نفسي واجتماعي للناجيات من الاغتصاب، مع تقديم استشارات صحية مجانية.


كما يجب تنظيم حملات توعوية لرفع الوعي وتغيير المفاهيم المجتمعية حول الإجهاض، والتأكيد على كونه قضية صحية وإنسانية. يمكن أن يسهم ذلك في تعزيز الصحة النفسية والاجتماعية للنساء، وتقليل الوفيات والمضاعفات الناجمة عن الإجهاض غير الآمن، والحد من السوق السوداء المرتبطة بتداول العقاقير غير المضمونة.


تشريع الإجهاض الآمن لا يعكس فقط تطور المجتمعات وسعيها لتحقيق العدالة الاجتماعية، بل يمنح النساء خيارًا إنسانيًا ومسؤولًا للتعامل مع الحمل غير المرغوب فيه دون خوف أو وصم.

مقالات اخري

article 1
١٨ أكتوبر ٢٠٢٠
الابتزاز الالكتروني : عنف رقمى يهدد حياة النساء من وراء الشاشة
في عصر التكنولوجيا المتقدمة و وسائل التواصل الاجتماعي، يُعدّ الابتزاز الإلكتروني أحد أخطر التحديات والجرائم التي تواجه النساء والفتيات يتمثل هذا الابتزاز في تهديد حياة النساء بنشر معلومات حساسة أو صور أو مقاطع فيديو شخصية، في حال لم تخضع الناجية \ الضحية لتهديدات المعتدى، وغالبًا ما تكون هذه التهديدات بغرض الابتزاز للحصول على مكاسب مادية […]
قرائة المزيد
article 1
١٨ أكتوبر ٢٠٢٠
المقال الختامي لحملة ” أجسادنا…. قراراتنا “
مع انتهاء حملة “أجسادنا قراراتنا” التي أطلقناها ضمن فعاليات حملة الـ16 يومًا لمناهضة العنف القائم ضد النساء، والتي امتدت من 25 نوفمبر حتى 10 ديسمبر، سعينا من خلال حملتنا إلى إعلاء صوت النساء في المطالبة بحقوقهن الجنسية والإنجابية باعتبارها حقًا أساسيًا للنساء، وكركيزة جوهرية لتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة بين الجنسين، والتأكيد على أن هذه الحقوق […]
قرائة المزيد