رغم الغني الثقافي والفني لمحافظة أسوان وتاريخها العريق في الإبداع، إلا أن أحد جوانبها المهمّة لا يزال يعاني من تراجع واضح وإهمال مزمن، إلا وهو الرياضة النسائية، على مدار السنوات الماضية، نادرًا ما ظهرت بطلات رياضيات يمثلن أسوان في المحافل المحلية أو الدولية، وإن وجدن، سرعان ما توارت أسماؤهن، لتختفي من المشهد الرياضي، و كأن المحافظة خالية من فتيات موهوبات قادرات على المنافسة والتميز
الأندية ومراكز الشباب، من المفترض أن تكون الحاضنة الأولى للمواهب الرياضية، ومصدرًا أساسيًا لتأهيل الأجيال للمنافسة وصقل المهارات.
و مع ذلك، يكشف الواقع في أسوان عن خلل حقيقي يتمثل في قلة الاهتمام برياضة الفتيات، وانعدام الخطط الجادة لتدريبهن وتأهيلهن علي جميع المستويات الفنية والنفسية والبدنية.
العديد من الأندية تفتقر إلى برامج تدريبية مخصصة للفتيات، وإن وُجدت، فهي ضعيفة وموسمية وغير مستمرة، ولا تؤهل اللاعبات لأي نوع من المنافسة الحقيقية. بل إن هناك أندية تغلق أبوابها أمام الفتيات تمامًا، بدعوى "قلة الإقبال"، متجاهلة أن المشكلة تبدأ من ضعف المبادرة لا من نقص الرغبة.
لا يمكن إنكار أن العادات والتقاليد في بعض قرى أسوان لا تزال تمثل عائقًا أمام مشاركة الفتيات في الأنشطة الرياضية، حيث يُنظر إلى الرياضة البدنية باعتبارها "غير مناسبة" للفتيات، بينما تُترك هذه الساحة للذكور فقط. ومع ذلك، فإن المسؤولية لا تقع على المجتمع وحده، بل تمتد إلي المؤسسات الرياضية التي لم تبذل جهودًا كافية لكسر الحواجز، وتقديم نماذج ملهمة، وإقناع الأسر بأهمية الرياضة لبناتهن.
في الوقت الذي يُنتظر من الأندية أن تكون رافعة للرياضة النسائية، نجد أن العديد منها يفتقر إلى البنية التحتية الأساسية لتدريب الفتيات. لا توجد صالات مخصصة لهن، ولا ملاعب آمنة، فضلاً عن قلة المدربات المتخصصات في الألعاب المختلفة، وهو ما يجعل الفتاة تشعر بعدم الأمان أو الراحة أثناء التدريب، إن وُجد.
هذا النقص في الكوادر النسائية والتجهيزات ينعكس مباشرة على جودة التدريب، وبالتالي على النتائج، فتتراجع فرص التأهيل للمنافسات بشكل كبير، مما يغلق الأبواب أمام العشرات من المواهب التي كان بإمكانها أن ترفع اسم أسوان عاليًا
أحد أبرز الأسباب التي تؤدي إلى ضعف رياضة الفتيات في أسوان هو غياب الدعم الحقيقي من المؤسسات التعليمية والمجتمعية.
المدارس لا تقدم برامج رياضية جادة للفتيات، ولا تسعى إلى اكتشاف المواهب بقدر ما تكتفي بحصص التربية الروتينية. فالأندية لا تُبادر، والمدارس لا تُتابع، والمجتمع لا يُشجع... فكيف يمكن لتلك الموهبة أن تظهر؟ وكيف يمكننا الانتظار لظهور بطلات في ظل هذا الإهمال المتراكم؟
في زمنٍ أصبحت فيه الرياضة وسيلة للتمكين والتعبير عن الذات والتأثير مجتعيًا، من الظلم أن تُحرم فتيات أسوان من فرصة التعبير عن أنفسهن في هذا المجال. المواهب موجودة، والإمكانات قابلة للتطوير، لكن ما ينقص هو النية الحقيقية، والرؤية المستدامة من قبل الأندية والمؤسسات المعنية.
ربما آن الأوان لأن تعود أسوان إلى الواجهة، لا كمدينة للثقافة فقط، بل كموطن للبطلات الرياضيات، اللواتي يحملن الطموح، والمهارة، والرغبة في التميز.