احنا هنا

١٨ مايو ٢٠٢٢

النساء وأزمة السيول

قامت بكتبتها / هنا سيد

في شهر نوفمبر الماضي تعرضت محافظة أسوان لكارثة طبيعية والتي لم تكن بالأزمة الكبيرة ولكن البلد لم تكن على إستعداد تام لهذا النوع من الكوارث الطبيعية بسبب عدم حدوث أمطار بوتيرة ثابتة سنوياً في أسوان ولكنها ظاهرة تحدث كل ٤ أو ٥ سنوات ويمكن أكثر من ذلك, لذلك نرى أنها ظاهرة طبيعية والتي تسمى في ثقافتنا مع اختلاف الشعوب جاء الخير مع مجيء المطر.


 ولكن في أسوان تحولت المقولة إلى "جاء المطر وسبب سيول دمرت المنازل وشردت عدد كبير من الأسر بلا مأوى"، ودمرت الشوارع والبنية التحتية للبلد بالكامل حيث إن البلد لم تضع احتياطيات السلامة اللازمة في حالة حدوث كوارث طبيعية مثل السيول.


دعونا نتحدث في هذا المقال ونختص فئة بعينها، ألا وهي النساء ماذا فعلن خلال هذه الفترة، لقد تحدثت لعدة فئات من النساء من شرائح عمرية مختلفة عن طرق تعاملهن مع أزمة السيول.


 إحداهن أجابت وهي فتاة في سن العشرينيات أن الأمطار أحدثت أضرار طفيفة داخل المنزل ولكن علاج هذه الأضرار أخذ منها ومن والدتها وأختها الصغرى مجهود بدني كبير لتنظيف آثاره من المنزل عدة أيام متتالية. 


وشهادة أخرى من فتاة في الثلاثينيات تبعات الأمطار سببت آثار جانبية تطلبت مجهود بدني كبير منهن 


وفي رواية أخرى وشارع أخر سيدة في الاربعينيات من عمرها تستعين بمساعدة خارجية من عاملة منزل، لوجود مشكلات صحية لديها تمنعها من القيام بهذه الأعمال، ونري بنفس الشارع في المنزل المقابل سيدة خمسينية تأبي أن يقوم بالأعمال المنزلية أحد سواها رغم عدم قدرة مفاصلها على حمل جسدها الذي يحمل تعب سنوات وسنوات من الأعمال المنزلية الشاقة ليلاّ، والذهاب لعملها صباحاً لكسب المال الذي يساعدها في إطعام أسرتها الصغيرة وزوجها ضمن قائمة الأفواه الجائعة التي تريد الإطعام أيضًا، رغم أنه يعمل أيضا مثلها ولكنه يصرف مكسبه المالي كله على نفسه دون التفكير في أسرته أو التفكير في زوجته التي تحمل عبء المنزل فوق كاهلها اللذان أصبحا كهلين ولا يتحملان خبطة صغيرة تصيبها.


و نرى مشهد آخر في شارع آخر أطفال صغار يقومون بتنظيف آثار السيول من الشارع بحمل تفريغ برك المياه في جرادل وصبها في بالوعات المياه القريبة، ونرى رجال يقومون بمسح الشارع المقابل لمنازلهم لحد الضرر. 


في المناطق القريبة من الجبال نرى منازل تم بناؤها على أبسط طراز لتلائم حرارة الجو في أسوان والتي لا تنتهي السنة بأكملها إلا في بضعة أشهر معدودة يطلق عليهم الشتاء. تبني المنازل بما يسمى الطوب اللبن وهو بالأساس مصنع من الطمي والماء ويعطي نسمة هواء منعشة في داخل المنزل المبني منها، ولكنه ولا يتحمل نسب المياه العالية مثل السيول وحالات الطقس العاصفة، لذلك نري في تلك المناطق الأسر الاكثر تضررًا من السيول، ونري صرخات استنجاد تملأ مواقع التواصل الاجتماعي من سيدات يصورن شكل المنزل بعد السيول وفيه حيطان المنزل مهدمة بالكامل على الأرض، واسقف المنزل لم تتحمل العواصف فسقطت مثل  قطعة بسكويت هشة في كوب شاي، ولا نجد دور رجل في المنزل يقول لزوجته لا نحتاج شفقة من أحدهم بل إني سأرفع السقف من الجريد مرة أخرى، وابني جدران المنزل من الطوب اللبن حتى لا تجعل منا مدعاة لشفقة أحدهم، ولكننا لم نسمع هذه المقولة أبدا مع أننا في مجتمع شرقي من المفترض أن الذكر هو المسؤول عن رعاية الأسرة وامانها وراحتها لا أن يجعل زوجته تخرج لاستجداء شفقة أحدهم لتصليح ما أتلفته السيول، والزوج يقف كمتفرج في هذا المسلسل الحزين وليس كبطل رئيسي من أبطاله من المفترض أن يكون له دور أساسي في هذا! . 


نرى في مشهد آخر وشارع آخر في ليلة السيول زوجة تحاول الاتصال بزوجها للاطمئنان على سلامته، والآخر يجيب بألا تقلق عليه فهو في منزل أحد الأصدقاء و سيمكث هناك حتى تنتهي الأمطار، لكنه لم يفهم أن زوجته الغرض من مهاتفته وله أن تطلب منه ضمنيًا أن يأتي ليساعدها في الدمار الذي حل بشقتهم والمياه التي طالت الأثاث والسجاد وهي في منتصف كل هذا تحمل جردلا وممسحة في محاولة منها لمنع دخول أي مياه جديدة وتجفيف المياه الحالية في الشقة. لم يفهم مغزى كلامها أو فهم ولم يرد أن يوضح ذلك لا ندري.


نرى في مشهد آخر في الشارع أم تحاول الاتصال بابنها للاطمئنان عليه، وعندما تجد هاتفه مغلق تذهب إلى النادي الذي يمكث به لتحاول إيجاد أي أحد من أصدقائه ليدلها على مكان ابنها لتطمئن عليه. تقف في الشارع وسط الأمطار ولا تجد سيارة تقف لها لذا تقرر السير في المطر لتصل لمكان النادي، وعندما تصل تجد زحمة كبيرة من الناس تحاول إيجاد وجهه  بينهم وهي تائهة والقلق يعتريها، ولكن تفشل في ذلك تري الكل يجري يحاول الوصول لمنزله للاحتماء من الأمطار والمكان يكاد يصلح فارغًا، ولكنها أصرت على إيجاده، إلى أن تصلها مكالمة من ابنها أنه وصل البيت ويكلمها بنبرة حادة على كونها ذهبت للبحث عنه، لا يدري ما هو قلب الام ومدي قلقها على صغارها!


كثرت الروايات والبطلة واحدة في جميعها إلا وهي المرأة، هي التي تجازف وهي التي قلقها يدفعها للمجازفة، هي العاملة المنزلية لكن دون مقابل مادي أو حتى معنوي، التي لم تقبل بهدر الممتلكات، هي المتكلمة البليغة التي تستجدي مساعدة الآخرين لإنقاذ أسرتها رغم وجود زوجها ضمن أفراد الأسرة والتي  تتحمل مسؤولية الأسرة لأننا في مجتمع شرقي، نراها أحيانا أخرى البنك المتنقل للنقدية لقضاء احتياجات الأسرة الأساسية رغم وجود زوجها ضمن أفراد الأسرة أيضًا. 


تعددت المسميات والمرأة واحدة في مجتمعنا الشرقي تواجه الأزمات وتتصدر لها أو تظهر بصورة غير مباشرة أو مستترة ويبقى الإنجاز الحقيقي من نصيبها، فتحية منا لجهود كل سيدة خلال أزمة السيول. 

مقالات اخري

article 1
١٨ أكتوبر ٢٠٢٠
اختيار النساء لشريك الحياة (حق خاضع للقيد)
“كنتُ أحلم بأن أعيش حياة سعيدة مع هذا الشخص الذي اختاره قلبي، ورسمتُ معه الآمال. لكن الآن، ماتت أحلامي، وأصبحتُ شاحبة الوجه، ولم أعد أفكر في كيفية اتخاذ أي قرار؛ فأصبح كل ما ينطقه لساني هو “حاضر” و”نعم”. أصبتُ بحزن دائم، وأصبحتُ عاجزة، وحتى ابتسامتي على وجهي كاذبة.” هكذا وصفت إحدى النساء شعورها بعد أن […]
قرائة المزيد
article 1
١٨ أكتوبر ٢٠٢٠
في ظل التهميش والتمييز: نظرة على واقع حقوق الصحة الإنجابية والجنسية للنساء والفتيات بمصر
تُعتبر الصحة الإنجابية والجنسية من أهم الجوانب التي تؤثر على حياة النساء، وخاصة الأمهات، سواء على المستوى الجسدي أو النفسي أو الاجتماعي. تعني الصحة الإنجابية توفير الظروف والبيئة الملائمة للنساء لتحقيق حمل صحي وآمن، كما تؤثر الصحة الإنجابية بشكل مباشر على الصحة الجسدية والنفسية للأم. تساعد الرعاية الصحية قبل وأثناء وبعد الحمل في الكشف المبكر […]
قرائة المزيد