" إحنا اتربينا إن الست مش لازم تبقى "بتفهم" في حاجات زي دي يعني لو حسيتِ بأي حاجة تعبّك، لازم تستني لما جوزك أو حد كبير في العيلة يشوف هو إيه المناسب.. كان العيب والحرام دايمًا سابق أي حاجة تانية، لدرجة إننا كنا بنتكسف نتكلم حتى مع أمنا عن أي حاجة تخص جسمنا "
تعبر اميرة عبدالله عن حالها بشأن اتخاذ قرارات صحية تخص جسدها.
النساء، حين يواجهن قرارًا يتعلق بجسدهن أو صحتهن الإنجابية، لا يتخذن هذا القرار وحدهن؛ بل يتشاركن فيه مع العائلة والعرف والموروث في المجتمع. ولا تُمنح المرأة حرية القرار بجسدها، إذ تصبح خياراتها أسيرة إرث طويل من التحفظات والقيود، خاضعة لوصاية الوالدين والأخ، ثم تنتقل ملكية جسدها للزوج.
إن جسد النساء ليس مجرد جسد، بل هو مساحة تتداخل فيها قرارات عديدة، وساحة تتصارع عليها المعتقدات والممارسات الاجتماعية. بعض هذه القرارات يكون لها علاقة برغبتهن وإرادتهن، والبعض الآخر تتحكم فيه العادات والتقاليد المفروضة عليهن، وكأنها قوانين مكتوبة.
تجد الكثير من النساء أنفسهن مضطرات لاتخاذ قرارات تتعلق بصحتهن الإنجابية، ليس بناءً على ما هو أفضل لهن ولصحتهن، بل بناءً على ما يراه المجتمع "مقبولًا" أو "غير مقبول"
تُقيد العادات والتقاليد قرارات النساء الصحية
تحدثت أميرة عبدالله من سكان مركز ادفو "أن القرار عمره ما كان بتاعي لوحدي اول ما اتجوزت، كان كل حاجة لازم الجوز أو الحماة يبقوا عارفينها، وحتى لو عايزة استشير دكتورة أو آخد علاج، كنت بحس إني لازم اشرح ليه وإزاي؟ "
وتستكمل أميرة حديثها "الضغوطات كانت في كل حاجة ومن كل الناس مش بس من الأهل، لكن كمان من الجيران والمعارف يعني لو الست قالت إنها تعبانة ومحتاجة راحة، كانوا بيقولوا بتدلع أو "مش شايلة مسؤولية زي باقي الستات" وهذا يرجع لان لا احد يعلمنا حاجة عن صحتنا وحقوقنا كنت أتعلم كل حاجة من التجربة، أو من كلام الستات الكبار اللي ساعات كان فيه غلط كتير"
من جانبها اضافت م .ع من مركز كوم امبو : " وأنا صغيرة، اتربيت على إن الست لازم تستحمل وتتعلم إنها آخر حد تفكر في نفسها لو كنتِ تعبانة، لازم تستحملي عشان البيت والأولاد، ولو قلتي إنك محتاجة راحة أو فترة علاج، كانوا يقولوا: "إنتِ كده بتقصري في حق جوزك وبيتك" حاجات كتير في العادات دي خلتنا ننسى إن صحتنا مهمة
وبسؤالي لها عن ما إذا كانت وضع النساء الحالي من الناحية الصحية يختلف عن السابق من حيث تطبيق العادات وفرضها على النساء؟
أجابت م.ع "لا بصراحة حتى مع شغلي دلوقتي ، لسه بحس إن أغلب الستات اللي أعرفهم بيواجهوا نفس المشكلة قرار الصحة الإنجابية مش سهل، وفي الغالب لازم العيلة أو الزوج يتدخلوا حتى أنا شخصيًا في الأول ما كنتش بحس إني حرة أقول 'لا' أو أختار اللي يناسبني
ودايما في نصايح تقليدية من المجتمع خلفي -انجبي- الاطفال ورا بعض،انت لسه صغيرة وتقدري تشيلي كأن الست ماكينة مش بني آدمة !
كمان فكرة إنك لازم تخلفي أول ولد عشان "تفرحي جوزك وأهله" وتفضل الست تخلف عيل وتلاته لحد ما تجيب الولد ولسة هذا الموروث موجود حتى الان ، دي كانت حاجة أساسية وكلنا كنا بنحس بضغوط بسببها الست لو فكرت تقول 'لا'، ممكن تتهم إنها أنانية أو إنها "بتسمع كلام حد بيغير عقلها"
وأضافت سحر عمر : احنا اتربينا ان كل حاجه عيب مش كل ما تتعبي تروحي للدكتور بطلي دلع وقلة ادب و ممكن نستخدم وصفات بلدي او اعشاب وهكذا للعلاج دون تشخيص لاصل التعب اما في مجال الصحة الانجابية زمان لم يكن هذا المصطلح مستخدم كان الحديث عنه خاصة لو قبل الزواج لابد من التحدث عنه بسرية شديدة لان عيب تتكلمي في موضوع مثل هذا لو سألتي تبقى "قليله ادب"
أن الأمر لا يقتصر على الصحة الإنجابية فقط، بل يمتد إلى القرارات المتعلقة بتنظيم الأسرة واستخدام وسائل منع الحمل.
وفي استكمال حديثها عن القيود المجتمعية، تشير سحر إلى تجربة النساء مع وسائل منع الحمل وما يحيط بها من مخاوف وأحكام مسبقة، موضحةً " في بداية زواجنا نكون غير مخيرين في استخدام وسيلة من وسائل منع الحمل سواء بهدف تأجيل الخلفه او لتنظيم الفترة بين كل حمل والآخر ودائما نسمع اقاويل مخيفة عن الوسائل مثلا مستخدميش حبوب منع حمل الحقن ممكن تجيب عقم ودايما النصيحة العامة "بلاش تستخدمي وسائل وكل طفل بييجي برزقه "
من العادات والتقاليد التي كانت بتضايقني جدا ان مثلا لو سيدة تاخرت في الانجاب بدلا من ان تزور الطبيب وتفحص سبب المشكلة كانت تلجأ لبعض الوصفات البلدي اعتقداً انها تساعدها مثل انها تذهب للسلخانة "مكان ذبح الماشية" وتقوم بإحداث جروح سطحيه بقدمها باستخدام موس او مشرط واخذ جزء من دم الذبيحة ووضعه موضع الجرح
او ان تستعير قطعة ذهب من اي سيدة وتاخذها تغلي اوتنقع هذه القطعة الذهب بماء ثم تستحم بهذا الماء … وغير ذلك كثير من الخرافات وهذه الخرافات تختلف من بيئة ل بيئة ولكن الاهم ان جميعها مجرد عادات وتقاليد موروثة تتطبق على النساء منها مؤذي لصحتها بشكل عام وبعضه لايفيد ولا يضر وفي اغلب الوقت تكون مجبرة على فعل ذلك من قبل امها او خالتها او ام زوجها"حماتها"، كما أن العادات يمكن أن تدخل في شئون مصيرية في حياة النساء مثل انك تكملي هذا الحمل أو لا ، عدم احترام اختيارك لعدد الأطفال المناسب لكي "جيبي ولد وهاتيله اخ ولد وبنت وجيبلها اخت بنت، الأطفال عزوه
تغيير بطيء... لكن ممكن
تحدثت منى داود، رائدة ريفية بمحافظة أسوان، قائلةً: "العادات والتقاليد دائمًا تؤثر على النساء، وبشكل خاص مثال تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية - والمتعارف عليه مجتمعيًا باسم الختان - أثر عليّ صحيًا. حتى قبل الزواج، كانت جميع القرارات مرتبطة بموافقة والدتي، ولم يكن هناك في السابق تثقيف أو ندوات عن الصحة الإنجابية، كما أنه لم يكن هناك إنترنت للبحث والتثقيف الذاتي. وبالنسبة للأسر، لم يكن من المحبب التحدث عن المواضيع الخاصة بالصحة الإنجابية وما شابه ذلك.
وحتى بعد الزواج، يضغط المجتمع دائمًا على النساء من حيث عدد الإنجاب بكثرة أو قلة، وأيضًا أغلب الأسر تفضل إنجاب الذكور. لكن بسبب طبيعة عملي الحالي، الذي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالصحة الإنجابية للنساء، نحاول دائمًا رفع وعي النساء.
دائمًا نقوم بعقد جلسات توعوية للنساء في مختلف الأماكن بمحافظة أسوان، لتوعية النساء بمختلف الموضوعات لمراحل مختلفة، بدءًا من مرحلة النمو، لإحداث تغيير في طريقة التفكير الصحي وفهم طريقة التغذية السليمة وأهميتها لصحة الأم والطفل، والرياضة، والنظافة الشخصية للنساء، خاصةً وقت الحمل والإنجاب.
من طرق التوعية المستخدمة هي التواصل مع السيدات عن طريق الزيارة المنزلية للسيدات المستهدفات، أو التثقيف الصحي عن طريق الندوات، وزيارات للوحدات الصحية المتواجدة في أسوان، والكليات والمدارس، وندوات في قصر الثقافة، ومراكز الشباب، والجوامع والكنائس.
نعرف النساء بوسائل تنمية الأسرة "تنظيم الأسرة" من خلال تعريفهن بوسائل تنظيم الأسرة المتواجدة بالوحدات الصحية، ووسائل منع الحمل المتاحة في الوحدات هي: الحبوب، اللولب، الكبسولة، الحقن، والمتابعة التي يحتاجونها عند استخدام كل نوع. الحبوب تتطلب متابعة كل شهر، باختلاف أنواعها. الحقن تنقسم إلى نوعين: حقنة كل شهر أو حقنة كل ٣ شهور، وكذلك اللولب والكبسولات... وهكذا. كما يتم توضيح وتعريف النساء بوجود وسائل منع الحمل للذكور (الزوج) مثل الواقي الذكري، لكي لا تتحمل النساء وحدهن مسؤولية استخدام وسائل منع الحمل.
نتأكد من أن تحديد الوسيلة المناسبة يكون من خلال الطبيب المختص بالحالة، ونعرفهن بأهمية الحفاظ على صحتهن الإنجابية، تنظيم الأسرة، النظافة الشخصية، التغذية السليمة، وكيفية الحفاظ على صحة النساء في الظروف الطارئة مثل إنفلونزا الطيور وكورونا.
ومن خلال ذلك، نحاول إحداث تغيير، حتى لو كان بطيئًا، لكن ممكن أن يغير من الثقافة والتقاليد المتعارف عليها، ويؤدي إلى تغييرات تجعل حياتهن للأفضل.
إن رحلة النساء نحو التحكم بقراراتهن الصحية، خاصةً الإنجابية، هي بمثابة مواجهة مع مجتمع متشابك تحكمه عادات وتقاليد متوارثة. هذه الممارسات تقيد حرية النساء في تقرير ما هو الأفضل لصحتهن وحياتهن.
ورغم أن هناك تغيرات إيجابية بدأت تظهر من خلال التوعية والتثقيف، إلا أن الطريق لا يزال طويلًا لتحقيق التغيير الجذري، لتمكين النساء من معرفة حقوقهن الصحية ومنحهن الحرية لاتخاذ القرارات المتعلقة بأجسادهن بمحض إرادتهن.