"وحياة أمك لو عرفتي حد، لكون جايبك من شعرك ومكتفك وراميكي فوق السطح سنة كاملة!" في أحد المشاهد الدرامية لمسلسل "اش اش"، الذي يُعرض في السباق الرمضاني لعام 2025، تظهر بطلة المسلسل مي عمر في مواجهة مع الممثل عصام السقا، الذي يبدو في قمة غضبه، موجّهًا إليها تهديدًا صريحًا بالعنف من خلال الجملة السابقة.
يعكس هذا المشهد نموذجًا واضحًا لتصوير النساء كمساحة تخضع لرقابة الرجل، حيث تُختزل حريتهن الشخصية والعاطفية في إطار السلطة الذكورية، التي ترى أي فعل هو تجاوزاً لتلك السلطة تهديدًا يستوجب القمع والترهيب.
يعتبر العنف اللفظي هنا ليس مجرد أداة تعبير عن الغضب، بل وسيلة لإخضاع النساء واخافتهن من العواقب المحتملة لاختياراتهن.
ولم ينتهِ الأمر عند التهديد فحسب، بل يصبح واقعًا فعليًا تعيشه النساء كل يوم من حولنا. و هذا المشهد يُعيد إنتاج نموذج الرجل "الحامي"، الذي يرى أنه من حقه فرض سيطرته على النساء، وتهديده ليس مجرد كلمات، بل هو تذكير ضمني بأن الخروج عن القواعد الذكورية قد يُقابل بعنف حقيقي.
ولا يقتصر العنف على التهديد اللفظي فقط، بل يمتد ليشمل ممارسات أكثر عنفاً و خطورة مثل حبس النساء في بيوتهن، سواء من قبل الأهل أو أحد أفراد الأسرة أو حتى من شخص عرض الارتباط بها ورفضته. وغالبا ما يُستخدم الحبس كوسيلة للعقاب، كأنه انتقام لعدم امتثال النساء لرغبات المجتمع الذكوري.
وفي كثير من الأحيان، تبدأ القصة بالتهديدات والتضييق، ثم تتصاعد الأمور إلى عنف جسدي أو حتى جرائم قتل، كما شهدنا في العديد من الحالات الواقعية التي تنتهي بمآسي. إن مثل هذه المشاهد الدرامية لا تعكس فقط الواقع، بل تؤكد مدى تطبيع هذا العنف في المجتمع، حيث يصبح التحكم في حياة النساء أمرًا مقبولًا، بل ومبررًا أحيانًا
النساء في هذه المنظومة لسن أفرادًا مستقلين، بل كيانًا يخضع للرقابة المستمرة، حيث يتم قياس سلوكهن وفقًا لمعايير حددتها السلطة، ولا تُفرض بالمثل على الرجال.
وينتهي المشهد بجملة تحمل تساؤلًا صادمًا: "ليه مرتدة؟!"، في إشارة واضحة إلى حجم الوصاية المفروضة على النساء في المجتمع. هذه الجملة القصيرة تختصر خطابًا طويلًا من القمع، حيث يصبح تجاوز الحدود التي يحددها لها المجتمع بمثابة خروج عن الدين والأعراف، وكأن حريتها في الاختيار تمثل خيانة كبرى.
حتى اختيار كلمة "ليه مرتدة؟" يحمل في طياته جهلًا وترسيخًا لفكرة أن أي تغيير ديني قد يُنتج نفس النتيجة، وهي تهديدات وعنف قد يصل للقتل. فالمجتمع الذي يرى في استقلالية النساء "ردة" هو نفسه الذي يرفض أي خروج عن المألوف أو أي مراجعة لقيمه.
المسألة ليست مجرد تحكم في اختيارات النساء العاطفية أو الاجتماعية، بل تمتد إلى كل ما يتعلق بهويتهن وحقهن في التفكير والتغيير، لأن أي محاولة لذلك قد تُقابل بالتحريض، الاضطهاد، أو حتى القتل أو الحبس. هذا المشهد ليس استثناءً، بل جزء من خطاب درامي متكرر يعيد إنتاج مفاهيم القمع، ويكرّس فكرة أن النساء يجب أن يخضعن ويبررن أفعالهن باستمرار.
والسؤال الحقيقي هنا ليس فقط عن المشهد بحد ذاته، بل عن تأثير هذه النوعية من المشاهد على الوعي الجماعي الذي يعزز صورة نمطية تجعل أي محاولة نسوية للمطالبة بالحقوق تبدو كأنها خروج عن القيم.