احنا هنا

٣٠ يوليو ٢٠٢٥

الصحفيات في مواجهة العنف الرقمى : “حقهن في الحرية والتعبير و فضاء إلكترونى آمن”

قامت بكتبتها / فاطمة الزهراء محمد

 أثرت ثورة التكنولوجيا وتوسيع فضاءات التواصل الاجتماعي بشكل كبير على شتى المجالات و برز دورها بشكل ملحوظ مما دفع العديد من القطاعات لمواكبة هذا التطور التكنولوجي،  وأصبح من الضروري استيعاب هذه المستجدات، لما لها من دور في تحقيق الأهداف والغايات التي تسعى إليها هذه المجالات.


 لم يتوقف تأثر  المجال الإعلامي  عند هذا الحد، بل يعد من أولى المجالات تأثراً من ناحية ديناميكية العمل التي تغيرت بشكل كامل لتسير مع هذا التطور خطوة بخطوة،  والذي أدى بدوره إلى فتح المجال أمام إنشاء منصات و نوافذ إعلامية إلكترونية، سواء علي المستوي المحلي أو العالمي.


علي  الرغم من الآثار الايجابية و المزايا من  الاندفاع نحو هذه التطورات التكنولوجيا و الفروقات التي أحدثتها وأثرت على واقعنا المعاش، إلا أن إيقاع التقدم التكنولوجي لم يصحبه القدر المطلوب من الضوابط ووضع السياسات التي تنظم هذا التطور، أو إتخاذ تدابير احترازية لمنع الأضرار المتوقعة، أو تفعيل أدوات تضمن سرعة في الاستجابة.  و حتى صدور القوانين والتشريعات المتعلقة بالجرائم الالكترونية جاءت متأخراً نسبياً مقارنة بالتطور التكنولوجيا، مما جعل البيئة الرقمية بيئة خصبة لتنامي معاناة أخرى تعاني منها العديد من الفئات و خاصة النساء.


يعد العمل الصحفي للنساء نموذجاً صارخاً على مدى  التهميش والمعاناة التي تعاني منها النساء في المجال العام و سوق العمل، كما يجسد بصورة جلية امتداد دوائر  العنف المبنى على اساس النوع الاجتماعي.


ولذلك وجدت هذه الدوائر ملاذاً لمواصلة سلاسل العنف على النساء؛ إذ  يعد العنف الرقمي، لاسيما التحرش الالكتروني سلاحاً فتاكاً لقمع النساء، و إبعادهن عن الفضاء الرقمي، خاصة للصحفيات. إذ تتجاوز آثار هذا العنف الإيذاء الشخصي، حيث يهدد حرية التعبير ويقلص مساحات وفرص للمشاركة في الفضاء العام، مكرساً قيوداً إضافية على النساء.



ماذا يعني التحرش الإلكتروني؟


عرفت منظمة الاسكوا التحرش الالكتروني بانه:


 "أي سلوك عدواني أو غير مرغوب فيه يتم عبر الإنترنت أو الوسائط الرقمية، يهدف إلى الإضرار، أو


 التخويف، أو الإذلال، أو السيطرة على الضحية".


ويشمل ذلك التهديدات، والمطاردة الإلكترونية، والخطاب المعادي للنساء ويحرض الكراهية والعنف تجاهن، ونشر المعلومات الشخصي، و المضايقات المتكررة.


بالنسبة للصحفيات – بحكم عملهن القائم على التعبير عن الرأي ونشر المعلومات – يُصبحن في موقع مستهدف من قبل المتحرشين، خاصةً عند تناولهم مواضيع تتعلق بالسياسة، الدين، أو قضايا النوع الاجتماعي".


وتشير منظمة مراسلون بلا حدود (2021) إلى أن "النساء العاملات في الإعلام هن من أكثر الفئات تعرضاً للعنف الرقمي، وغالباً ما تأخذ الهجمات طابعاً جنسياً أو شخصياً أكثر مما هي مهنية".


التحرش الإلكتروني ليس حادثاً معزولاً أو عرضياً، بل هو امتداد للعنف المبني على النوع الاجتماعي في الفضاء الرقمي والواقعي، على ناحية واقع يتعرضن فيه النساء للعنف الجسدي والجنسي ويرغمن على السكوت في المساحات العامة الواقعية، يتم استهداف النساء عبر شاشات الحواسيب والهواتف،  مما يضاعف من الأثر ويزيد من إعاقة حرياتهن وحقوقهن.


 وتشير دراسة أعدتها منظمة اليونسكو (2021) بالتعاون مع المركز الدولي للصحفيين إلى أن 73% من الصحفيات تعرضن لأحد أشكال العنف الرقمي خلال مسيرتهن، وأن هذا العنف يتضاعف عندما تنتمى الصحفية إلي خلفية عرقية أو دينية مختلفة، أو تنتمي لمجموعة مهمشة، مما يعكس حاجة ماسة لحماية خاصة ودعم مستمر للصحفيات في مجتمع الإعلام الرقمي.



تتنوع أنماط التحرش الإلكتروني الموجه للصحفيات، ومن أبرزها:



  • التهديدات بالعنف الجسدي أو الجنسي: يتلقى العديد من الصحفيات تهديدات مباشرة بالاغتصاب أو القتل أو الأذى لعائلاتهن، خصوصاً بعد نشر تقارير استقصائية أو التعليق على قضايا حساسة وشائكة.

  • نشر الصور الخاصة أو المفبركة: تستخدم  في محاولة لتشويه السمعة، يتم تداول صور أو فيديوهات حقيقية أو مفبركة بشكل مسيء بهدف الإساءة أو الابتزاز.

  • التحرش الجنسي اللفظي: عبر الرسائل أو التعليقات العامة على وسائل التواصل، تتلقى العديد من الصحفيات تعليقات بذيئة ومهينة تمس شكلهن أو حياتهن الشخصية.

  • التنمر الجماعي (Trolling): تتعرض بعض الصحفيات لحملات تنمر منظمة تشمل حسابات وهمية، بهدف التشكيك في مصداقيتهن أو دفعهن لمغادرة المنصات الرقمية.

  • الاختراق وسرقة البيانات: تتعرّض الصحفيات للاختراق وسرقة بيانات شخصية، بما في ذلك البريد الإلكتروني والمحادثات، والتي تُستخدم كوسائل للابتزاز أو التهديد.


آثار التحرش الإلكتروني على الصحفيات


للتحرش الإلكتروني انعكاسات خطيرة على الصحفيات على المستوى الاجتماعي والمهني:




  • الانسحاب من الفضاء العام: كثير من الصحفيات يقررن تقليص مشاركتهن الرقمية أو حذف حساباتهن بعد تعرضهن لحملات تحرش.

  • الرقابة الذاتية: تبدأ الصحفية بتجنب مواضيع معينة خوفاً من التعرض لمضايقات، وهو ما يقيد حريتها في التعبير.

  • الانعزال الاجتماعي: يؤدي التحرش إلى اضطرابات نفسية تشمل القلق والاكتئاب والشعور بالعار، مما يؤثر على حياتها الاجتماعية.

  • التأثير المهني: بعض المؤسسات الإعلامية تتجنب توكيل الصحفيات بمواضيع مثيرة للجدل خشية إثارة الجدل، مما يحد من فرص تطورهن المهني.

  • الوصم المجتمعي: في بعض السياقات الثقافية، يُلام الضحايا/الناجيات بدلاً من الجناة، ويتعرضن للانتقادات، مما يؤدي إلى مضاعفة آثار التحرش وتهديد سمعتهن الشخصية والمهنية.



إن التحرش الإلكتروني بالصحفيات هو تهديد حقيقي لحق النساء في حرية الرأي والتعبير، وحرية العمل الإعلامى، ومشاركة النساء في الفضاء العام. وهو ليس سلوك عابر، بل يعبر عن منظومة داعمة للعنف المبني على النوع الاجتماعي، والتي تستمر في إنتاج السيطرة الذكورية حتى في الفضاءات الرقمية.


لذلك، من الضروري سنّ تشريعات واضحة تُجرّم التحرش الإلكتروني، وتطوير آليات الحماية القانونية للصحفيات، بالإضافة إلي تعزيز و تطوير سياسات تحريرية داخل المؤسسات الإعلامية لضمان حماية العاملات، وتوفير دعم نفسي وقانوني عند الحاجة.


كما يتطلب الأمر ضغطاً على منصات التواصل الاجتماعي لتطبيق سياسات صارمة ضد الحسابات المتحرشة، وتيسير آليات الإبلاغ عن قضايا العنف. و تعزيز حملات توعية مجتمعية تؤكد أن التحرش الإلكتروني هو أحد أشكال العنف وليس مجرد "سلوك عابر".


ولابد من تمكين الصحفيات من أدوات الأمن الرقمي لتأمين وحماية حساباتهن ومعلوماتهن الشخصية. بجانب إنشاء شبكات دعم نسوية تعزز من التضامن بين الصحفيات، وتوفر بيئة آمنة للتبليغ والمناصرة.


وفي النهاية، يجب أن يُنظر إلى التحرش الإلكتروني ضد الصحفيات على أنه قضية حرية وعدالة جندرية. ومع تزايد اعتماد العالم  واتجاهه أكثر نحو الرقمنة، يجب أن نعمل على جعل العالم الرقمي آمنًا للنساء، وأن تتطور القوانين و التشريعات و تسبق التطورات التكنولوجية بدلاً من أن تلاحقها.

مقالات اخري

article 1
١٨ أكتوبر ٢٠٢٠
العدالة الغائبة: نتائج وتوصيات حملة “صحفيات بلا حماية”
في ختام حملتنا “صحفيات بلا حماية”، التي نفذتها مبادرة جندريست بالتعاون  مع مؤسسة تدوين لدراسات النوع الاجتماعي، يهدف هذا المقال إلى تلخيص النتائج وتقديم توصيات للتغيير نضع أمامكم النتائج التي كشفتها سلسلة المواد الصحفية التي سلطت الضوء على واقع النساء في المهنة، من خلال رصد بيانات دقيقة، وتحليل لأوجه التمييز والعنف والتهميش الذي تتعرض له […]
قرائة المزيد
article 1
١٨ أكتوبر ٢٠٢٠
الصحفيات في مصر: بين تعسف قوانين العمل الإعلامي وفجوة العدالة في النصوص والممارسات
تخضع المؤسسات الإعلامية في معظم الدول ومنها مصر لجملة من القوانين والتشريعات التي تنظم عملها وتحدد التزاماتها المهنية ومنها مصر، ك “قانون تنظيم الصحافة والإعلام رقم 180 لسنة 2018” الذي يعد أحد أبرز القوانين المنظمة لهذا القطاع وتشمل قوانين الصحافة التي تضبط عمل الصحف والمجلات و تعنى بتحديد المسؤوليات القانونية والأخلاقية للعاملين في هذا المجال […]
قرائة المزيد