لا تزال الرياضة النسائية تقف في مواجهة تحديات عميقة، تبدأ من التنمر المجتمعي و وتتعدي بالتحرش اللفظي والتقليل من الإنجاز والتهميش الفتيات اللاتي يخترن رياضات مثل كرة القدم أو الملاكمة أو الكاراتيه يُنظر إليهن غالبًا باعتبارهن خارج "الإطار المقبول"، وتطاردهن تعليقات تشكك في أنوثتهن، وأحيانًا حتى في إنسانيتهن.
في مجتمعات عديدة، تُعتبر رياضات مثل كرة القدم، الجودو، أو الملاكمة "ذكورية"، مما يؤدي لاستبعاد النساء منها ثقافيًا ونفسيًا، بحجج مثل أن هذه الألعاب "لا تليق بالفتاة"، وأن "مكانها الطبيعي هو المطبخ" هذه الأفكار النمطية يٌغذيها ثقافة ذكورية تُقيد طموح النساء، وتُحول بينهن وبين تحقيق ذواتهن الرياضية.
على الرغم من أن منتخب مصر النسائي لكرة القدم شارك رسميًا لأول مرة في عام 1999، واستمر في الظهور في عدة بطولات، فإن الدعم المؤسسي لا يزال ضعيفًا ففي أكتوبر 2020، وجّه الاتحاد المصري لكرة القدم خطابًا للأندية لتشكيل فرق نسائية، ضمن خطة لتوسيع قاعدة الممارسة. ولكن تفاعل المجتمع لم يكن بمستوى الطموحات، بل تصاعدت الأصوات المنادية بإلغاء الدوري النسائي مع كل مباراة جديدة، في ظل حملات تنمر إلكترونية واسعة.
تحكي بسملة أحمد، طالبة كلية التربية الرياضية بجامعة أسوان، عن حلمها في ممارسة كرة القدم منذ طفولتها لكنها واجهت رفض والدها والمجتمع من حولها. وبعد إلحاح، وافق والدها أخيرًا، إلا أن الواقع كان أكثر صدمة لم تجد ناديًا يدرب الفتيات، وحتى عندما وجدت مركزًا، لم تدم تجربتها طويلًا بسبب ضغط الأقارب والتنمر المتكرر من المحيطين بها، الذين وصفوها بـ"المسترجلة".
تضيف بسملة: "قررت دخول كلية تربية رياضية لتحقيق حلمي، لكنني فوجئت أن قسم كرة القدم مخصص فقط للذكور، بينما تُحصر الفتيات في رياضات معينة مثل الجمباز والسباحة".
أما شهد خالد، لاعبة الكاراتيه السابقة، فتروي كيف واجهت رفضًا منذ صغرها، وتعرضت لتحرش لفظي وتنمر داخل النادي وفي الشارع. تضيف: "أشعر أنني خسرت علاقتي بجسدي بسبب نظرة الناس، حتى بدأت أكره مظهري، وقررت اعتزال اللعبة نهائيًا رغم حبي لها".
ما تتعرض له الفتيات الرياضيات يمثل أزمة هيكلية تتطلب تدخلًا جادًا من الدولة والمؤسسات التعليمية والرياضية أن غياب التشريعات التي تحمي الرياضيات، وضعف الدعم والتشجيع وتقديم التسهيلات للفتيات في عالم الرياضة، بالإضافة إلي ضعف التمثيل الإعلامي الإيجابي، وغياب القدوة النسائية الرياضية في المناهج التعليمية، كلها عوامل تُكرّس هذا الواقع المعنف ضد النساء والفتيات.
لا تقتصر معاناة الرياضيات على المصريات فقط. فالملاكمة يمني عياد واجهت موجة من التنمر بعد استبعادها من المشاركة في أولمبياد باريس 2024، نتيجة تغيّر في وزنها لأسباب فسيولوجية طبيعية تمر بها كل امرأة. بدلاً من الدعم، تلقت هجومًا لاذعًا على منصات التواصل.
وبالمثل، عانت الملاكمة الجزائرية إيمان خليفة من اتهامات بتشويه أنوثتها، بل وصل الأمر إلى تشكيك البعض في هويتها الجنسية، والدعوة لمنعها من خوض النزالات النسائية. هذه الحملات لم تستند إلى أي منطق رياضي، بل إلى أفكار متطرفة تنبع من عقلية ذكورية ترفض رؤية المرأة قوية، ناجحة، وبارزة في مجالها.
لا يمكن أن نحلم بمستقبل رياضي عادل دون الاعتراف أولًا أن الرياضة النسائية ليست رفاهية، بل حق إنساني واجب الحماية. تمكين المرأة في الرياضة يبدأ من دعم نفسي واجتماعي وتشريعي، ومن محاربة التنمر والتحرش على كل المستويات، خاصة على منصات التواصل الاجتماعي.
لقد حققت الرياضيات العربيات والمصريات الكثير، وهن قادرات على تحقيق المزيد، فقط إذا تم توفير بيئة آمنة وداعمة. فكما نحتفي بأبطال الرجال، حان الوقت لمنح البطلات النساء نفس التقدير، الاحترام، والفرص.