على مدار عقود، كانت الرياضة بالنسبة للنساء المصريات ميدانًا شديد الصعوبة تحده عوائق اجتماعية وثقافية ومؤسسية ففي مجتمع يكرس تصورات وصور نمطية عن أدوار النساء وحدودهن، كانت ممارسة الرياضة ـ ناهيك عن الاحتراف فيها ـ تُعد خروجًا عن المألوف، إن لم تكن تحديًا صريحًا للتقاليد واجهت الرياضيات المصريات عقبات متعددة و حواجز نفسية واجتماعية بدءاً من النظرة إلى الرياضة باعتبارها "مجالًا ذكوريًا"، مروراً بالخوف من النقد المجتمعي، ووصولاً إلي نقص الدعم المؤسسي، سواء في توفير فرص احتراف أو الاهتمام الإعلامي العادل. كما ظل شح وقيد التمويل والرعاية من العوامل التي تمثل عائقاً أمام طموحات العديد من الفتيات اللاتي بدأن مسيرتهن الرياضية بشغف كبير وحماس، قبل أن تسلب تلك العوائق حماسهن تدريجيًا.
رغم هذه التحديات، لم يكن إصرار النساء المصريات ليُقهَر. فخلال العقد الماضي، شهدنا تحولاً ملحوظاً مع صعود نجم عدد من البطلات المصريات اللواتي كسرن القيود وحققن إنجازات غير مسبوقة على المستويين الأفريقي والعالمي. أصبحن هذه البطلات نماذج ملهمة ورموزاً ملهمة للفتيات الصغيرات، مما بث الأمل بأن الطريق، مهما كان وعراً، يمكن عبوره بالإرادة والعمل الجاد. إن قصص النجاح التي صنعتها بطلات مصر في الإسكواش والسباحة ورفع الأثقال والكاراتيه وغيرها، ليست مجرد انتصارات فردية، بل هي شهادات حية على قدرة النساء المصريات ونضالهن على اختراق حواجز التمييز والتحديات الثقافية والتمسك بحقهن في الفضاء العام وإثبات وجودهن في تمثيل مصر في أكبر المحافل الدولية.
لا تزال النساء يواجهن فجوة كبيرة في التمثيل بالمناصب القيادية الرياضية، خاصة في منصب رئاسة الاتحادات الرياضية ومع ذلك، ظهرت نماذج نسائية استطاعت تحدي هذا الواقع وشكلت مصدر إلهام للجيل الجديد. من بين هذه النماذج الدكتورة دينا الرفاعي التي فازت بعضوية اتحاد الكرة المصري وتولت الإشراف على ملف كرة القدم النسائية. أيضًا نيرة الأحمر التي تشغل منصب عضو تحت السن في مجلس إدارة نادي الزمالك، ضمن توجه لدعم وجود الشباب والنساء في الهيئات الرياضية. ورانيا علواني، إلى جانب تاريخها الرياضي المميز، تولت مناصب إدارية عديدة بينها عضوية اللجنة الأولمبية الدولية والمصرية ومجلس إدارة النادي الأهلي.
هذه النماذج، وإن كانت استثناءً حتى الآن، تثبت أن قيادة النساء للمناصب الرياضية في مصر ممكنة، لكنها تحتاج إلي دعم مؤسسي حقيقي.
شهدت الرياضة النسائية المصرية خلال العقد الأخير طفرة كبيرة في النتائج والظهور الإعلامي. في رياضة الإسكواش، تصدرت نور الشربيني التصنيف العالمي، بينما صنعت رنيم الوليلي التاريخ عام 2015 بتصدرها التصنيف العالمي كأول لاعبة مصرية وعربية تحقق هذا الإنجاز. في التايكوندو، أحرزت هداية ملاك ميداليتين برونزيتين في أولمبياد ريو 2016 و طوكيو 2020. أما في رفع الأثقال، فقد توجت سارة سمير ببرونزية ريو 2016 وواصلت حصد الألقاب الدولية. وفي السباحة، لمع نجم فريدة عثمان التي أصبحت أول سباحة مصرية تحصد ميداليتين في بطولات العالم للسباحة. كما تألقت جيانا فاروق في الكاراتيه بإحرازها برونزية أولمبياد طوكيو 2020، وبرزت أسماء أبو رواش في الرماية بأدائها المميز في البطولات العالمية. في الرياضات الجماعية، حقق منتخب كرة اليد النسائي تحت 18 سنة إنجازًا عربيًا وإفريقيًا بوصوله إلى ربع نهائي بطولة العالم 2019.
رغم هذه النجاحات الكبيرة، لا تزال النساء يواجهن تحديات حقيقية في الرياضة المصرية. قلة الدعم المؤسسي، ضعف التغطية الإعلامية، والنظرة المجتمعية التقليدية كلها عوامل تفرض المزيد من العمل لتوسيع قاعدة المشاركة النسائية في مختلف الرياضات. كما أن غياب النساء عن رئاسة اتحادات رياضية كبرى يعكس الحاجة إلى إصلاحات هيكلية حقيقية لضمان تمكين أكبر للنساء في مواقع صناعة القرار الرياضي.
لم تعد الرياضة النسائية المصرية مجرد مشاركة هامشية، بل تحولت إلي رافد أساسي للإنجازات العالمية، حيث تخطت اللاعبات المصريات دور المشاركات إلي صانعات للتاريخ، يحفرن أسمائهن بأحرف من ذهب في سجلات الرياضة العربية والعالمية.
يعتمد مستقبل الرياضة النسائية في مصر على استمرار دعم المواهب و تمكينهن في المناصب القيادية بالمؤسسات الرياضية، تغيير النظرة النمطية المجتمعية لدور النساء، وتوسيع الفرص لهن منذ سن مبكرة. في ظل هذه التحولات، تبدو الطريق مهيأة لظهور المزيد من النماذج النسائية القيادية في الرياضة المصرية خلال السنوات المقبلة و سيتولين دفة صنع القرار في الرياضة المصرية.
رغم أن الطريق لا يزال طويلًا، والمنافسة مع التحديات مستمرة، إلا أن ما حققته البطلات المصريات خلال السنوات العشر الماضية يمنحنا سببًا حقيقيًا للفخر والتفاؤل. لم تعد النساء الرياضيات اليوم مجرد متفرجات للفعاليات الرياضية؛ بل أصبحن بطلات يتصدرن المشهد الرياضي، تخوض المنافسات بأقصى درجات الاحترافية، وتلهم الأجيال الجديدة للسعي خلف أحلامهم دون خوف. إن تنمية الرياضة النسائية في مصر تتطلب مواصلة العمل على عدة جبهات: تعزيز الدعم المؤسسي، تحفيز الإعلام على تسليط الضوء على البطلات، تغيير النظرة المجتمعية لدور المرأة في الرياضة، وإدماج الفتيات في مختلف الألعاب منذ الصغر مع توفير بيئة مشجعة تكون حجر الأساس لصناعة أبطال المستقبل. في النهاية، تكتب البطلات المصريات كل يوم فصلاً جديدًا في كتاب الرياضة المصرية والعربية، مؤكدات أن العزيمة والإصرار قادران على تجاوز أقسى القيود، وأن نور الدرب، مهما خبا، لا ينطفئ أبدًا.