التفرقة والتمييزِ بينَ الرجالِ والنساءِ في مجالِ العملِ يخلقُ فارقا كبيرا كما يصنعُ حاجزا أمامَ استقرارِ المجتمعِ وازدهارهِ ، وهذا ما يحدثُ في مجتمعنا وتعاني النساءُ منْ تحدياتٍ كبيرةٍ بسببَ عاداتهِ وتقاليدهِ وهذا يشكلُ حاجزا بينهنَ وبينَ رغباتهنَ في الوصولِ إلى ما يتمنينَ،حيثُ إنَ دستورَ المصريِ كفلَ حقُ العملِ للمواطنينَ جميعا على أساسِ المساواةِ بينهمْ لا فرق في ذلكَ بينَ الرجالِ والنساءِ فكانَ الدستورُ يلزمُ الدولةَ بأنْ تتخذَ التدابيرُ التي يكونُ منْ شأنها مساعدةَ النساءِ على الانخراطِ في مجالاتِ العملِ المختلفةِ وهذا دليلٌ على أنَ صورَ التمييزِ التي نرصدها ضدَ النساءِ في مجالاتِ العملِ أوْ الوظيفةِ العامةِ لا سندَ لها منْ القانونِ ، بلْ هيَ نتيجةُ لثقافةِ المجتمعِ التي تتعمدُ التمييزَ ضدَ النساءِ في مختلفِ جوانبِ الحياةِ الاجتماعيةِ والثقافيةِ والسياسيةِ وغيرهِ وبالرغمِ منْ عدمِ حظرِ القانونِ لبعضِ الوظائفِ منْ جانبِ النساءِ ، مثلٌ العملِ بالقضاءِ العالي ، وفي وظائفِ العمدِ والمشايخِ ، ووظيفةُ المأذونِ وغيرها كثيرٌ منْ الوظائفِ إلا أنها بسببِ النظرةِ المجتمعيةِ التي تنمطْ النساءِ في وظائفَ معينةٍ لا تخرجُ عنها ، وتظلّ الوظائفُ القياديةُ والتشريعيةُ حكرا على الرجالِ وحدهمْ دونَ النساءِ .

وبتحليل القوانين والسِّياسات الحكوميَّة والمؤسَّساتيَّة المتعلِّقة بالمساواة في العمل يكشف عن التزام الحكومة بتعزيز المساواة بين الجنسين وتوفير فرص متساوية في ميدان العمل فعلى سبيل المثال ، فإنَّ المادَّة 88 من قانون العمل تضمَّن حقوق النِّساء في مجال العمل وتؤكِّد على مبدأ المساواة وكذلك تحقيق المساواة بين الجنسين هو الهدف العاشر من أهداف التَّنمية المستدامة 2030 وبالإضافة إلى ذلك ، هناك العديد من القوانين الأخرى الَّتي تشجِّع على المساواة بين الجنسين في مجال العمل ، ممَّا يعكس التزام الدَّولة بتعزيز المساواة وتحقيق العدالة الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة لجميع أفراد المجتمع وبالرَّغم من ذلك هناك قصور كبير في تنفيذ هذه القوانين والتَّمييز ما زال يمارس ضدَّ النِّساء في كلِّ المجالات.

  ففي مجال العمل الأكاديميِّ مثلاً تكون فرصة تولِّي النِّساء منصب عميدة الكلِّيَّة أو رئيسة قسم تكون أقلَّ مقارنة بالرِّجال على رغم من ظهور تفوُّقهنَّ وكفاءتهنَّ بشكل ملحوظ لكنَّ فرصهنَّ تظلُّ قليلةً يتمثَّل التَّمييز في هذا السِّياق بسبب عدَّة عوامل منها الاعتقادات النَّمطيَّة حول قدرات النِّساء في القيادة وتفضيلات النِّظام القائم الَّتي قد تميل لمصلحة الرِّجال في توزيع الفرص الوظيفيَّة والتَّرقيات .

وقالت إحدى الموظَّفات الَّتي تعمل بالقطاع العامِّ وهي معيدة بكلِّيَّة الحقوق جامعة أسوان :  كانت الأمور صعبةً حقًّا ، حيث كانت الرِّجال يهيمنون على المناصب ويشغلون بكثرة الوظائف وذلك نتيجة لنظرة المجتمع السَّائدة الَّتي تعتبر الرِّجال الأكفاء والأنسب لتلك الوظائف وكانت النِّساء مكلَّفات بمسؤوليَّات أخرى ، مثل رعاية الأطفال والأدوار الرِّعائيَّة للأسرة بشكل عامّ ، ولكن مع محاولات الدَّولة في تمكين نساء أتمنَّى أن تكون النِّساء قادرات على تولِّي المناصب القياديَّة دون تمييز ويكون الاختيار بناءً على الأكفأ والأكثر جدارةً.

 وأضافت من جانبها إحدى العاملات بالمجال الأكاديميِّ : أنَّ فرصة العمل الَّذي يوفِّرها المجتمع للرِّجال تكون أكبر من فرص النِّساء ، وذلك بسبب نفس الاعتقاد أنَّ الأولويَّة والصَّدارة تكون للرِّجال .

 والمجتمع دائمًا بحاجة إلى رفع الوعي بالنُّصوص والقرارات الَّتي تخدم مصلحة النِّساء والَّتي يتمُّ تعديلها وتغييرها ، يتطلَّب الأمر تكثيف الجهود في التَّوعية بمضمون القوانين والسِّياسات الَّتي تهدف لتعزيز حقوق النِّساء وتوضيح أنَّ دورهنَّ لا يقتصر فقط على الأعمال الرِّعائيَّة للأسرة وينبغي أيضًا تكثيف المبادرات التَّوعويَّة لتحقيق العدالة والمساواة بين الجنسين وإلغاء التَّفرقة والتَّمييز بين النِّساء والرِّجال ، ممَّا يضمن حصول النِّساء على حقوقهنَّ بالكامل في مختلف مجالات العمل .

 كما أنَّ للمرأة دورًا فعَّالاً في المجال السِّياسيِّ والاقتصاديِّ وأيضًا الاجتماعيُّ فهي نواة هذا المجتمع وبها يكتمل فيجب على المجتمع أن يدعِّمهنَّ بكلِّ الطُّرق من آليَّات ووسائل القضاء على التَّمييز الَّذي يمارس ضدَّهنَّ وإلزام تطبيق القوانين وتفعيل آليَّات حماية . يجب على الحكومات والمنظَّمات الدَّوليَّة والمجتمع المدنيِّ العمل على إزالة العوائق الَّتي تحول دون تحقيق العدالة والمساواة بين الجنسين ، وتوفير الفرص المتساوية للجميع دون تمييز بين النِّساء والرِّجال .