احنا هنا

٢٠ مايو ٢٠٢٥

الإقصاء المقنّع: حين يتحول الجمال إلى شرط وظيفي

قامت بكتبتها / أميرة عاشور

في كل خطوة تخطوها النساء نحو تحقيق ذاتها المهنية، تقف أمامهن عوائق كثيرة، بعضها يظهر للعيان، والآخر خفي. لكن من بين أكثر هذه العوائق صمتًا ، يأتي التمييز القائم على المظهر، ذلك الحكم غير المعلن الذي يُمارس على النساء في أماكن العمل، كأن وجوههن وسيلة لقياس قدراتهن، لا خبراتهن أو إنجازاتهن.


في العديد من الوظائف، خاصة تلك المرتبطة بالتعامل مع الجمهور، مثل العلاقات العامة، الضيافة، الإعلام، وخدمة العملاء، تُفرض معايير غير معلنة، وأحيانًا صريحة، تشترط أن تكون المتقدمة "حسنة المظهر". المقصود هنا ليس المظهر المهني أو الأناقة، بل الجاذبية وفقاً لمعايير مجتمعية ضيقة ترتبط بمفاهيم سطحية للجمال، لا علاقة لها بالكفاءة أو المهارات.


هذا النوع من المعايير يُقصي بشكل مباشر العديد من النساء اللاتي يمتلكن خبرات ومؤهلات عالية، فقط لأنه مظهرهن لا يطابق "الصورة النمطية" التي يسعي أرباب العمل لتحقيقها. الأسوأ من ذلك أن بعض الإعلانات الوظيفية تصرح مباشرة بشروط تكرس تسليع النساء وأجسادهن، مثل "أن تكون ذو مظهر جذاب" أو "أنيقة ووجه حسن"، وكأن الجمال هو الأداة الأساسية لأداء المهام الوظيفية.


مثل هذه السياسات لا تعتبر تمييزًا جنسيًا فحسب، بل تكرس أحد أشكال العنف ضد النساء وترسيخ نمطاً من  الإقصاء، حيث يصبح الجمال امتيازًا وظيفيًا، وتحول سوق العمل إلى ساحة تنافس الشكل على حساب المهارات والخبرات. لا تخلق هذه الممارسات بيئة عمل غير عادلة وصحية فحسب، بل تعمق الصورة النمطية السلبية، و تُؤذي النساء نفسيًا ومهنيًا على حد سواء.



التمييز غير المرئي: وجه آخر للظلم


إن التمييز ضد النساء في بيئة العمل بناءً على مظهرهن الخارجي، والحكم على كفاءتهن من خلال شكلهن يعكس نمطاً مؤسسياً من التحيز، إذ يُقاس كفاءتهن عبر التصورات الجمالية، ولا يجوز اختزال قدرات النساء في مظهرهن الخارجي.


تصرح دينا.محمد"اسم مستعار" لجندريست: "تقدمت لوظيفة العلاقات العامة بأحد الشركات ، وكانت شروطهم تتضمن المظهر الخارجي… تم رفضي رغم أنني أمتلك خبرة كبيرة "



التوظيف والترقية: تمييز غير معلن


غالبًا ما يتخذ التمييز ضد النساء في العمل شكلًا غير مباشر؛ إذ لا يُقال صراحةً، ولكنه يُمارس عبر طرق خفية، مثلًا، حيث يتم اختيار النساء بناءً علي معايير الشكل الجذاب للتوظيف أو الترقيات، أكثر من كفاءتهن وخبراتهن. كما يُقلل من احترام النساء فقط لأنهن لا يواكبن المعايير الجمالية التي يروج لها المجتمع.


تحكي ح. م: "زميلتي في العمل جميلة، يتعامل معها جميع العاملين بلطف واحترام، بينما أشعر دائمًا أنه يجب عليّ أن أُثبت نفسي مرتين لأحصل على نفس التقدير



الضغط النفسي والاجتماعي: آثار التمييز


لا يقتصر تأثير هذا النوع من التمييز على البيئة المهنية فقط، بل يمتد ليشمل حياة النساء النفسية والاجتماعية. فبهذه الضغوط، تجد النساء أنفسهن دائمًا تحت المجهر والرقابة المجتمعية، ويشعرن بأنهن مُجبرات على إرضاء توقعات المجتمع المفروضة عليهن، مما يؤدي إلى مشاكل نفسية مثل اضطرابات الأكل، انخفاض الثقة بالنفس، القلق الاجتماعي، والاكتئاب. وهذه الأضرار تؤثر بدورها على تطورهن الشخصي والمهني.


التمييز المبني على المظهر والجسد، هو أحد أشكال العنف الذي يفرض على النساء قيودًا اجتماعية وقيودًا على حرياتهن، ويعكس محاولة للسيطرة على أجسادهن وكرامتهن. هذا التمييز يعكس عدم المساواة واستباحة حقوق النساء في خياراتهن الشخصية والعملية.


لذا من الضروري أن ندعم النساء مهنيًا ونفسيًا لمواجهة هذه الضغوط، من خلال وضع وتفعيل تشريعات مناهضة للتمييز، تشجع أصحاب العمل على وضع معايير عادلة وشفافة للتوظيف والترقية، وتحمي حقوقهن في التعبيرعن هويتهن وأجسادهن بحرية وكرامة.

مقالات اخري

article 1
١٨ أكتوبر ٢٠٢٠
الأم العاملة في مصر… بين حماية القانون وواقع التمييز
تعاني العديد من الأمهات من تمييز غير عادل في سوق العمل، حيث يُمنعن من التوظيف أو يُقيد حضورهن المهني بسبب مسؤولياتهن الأسرية. يُبرر ذلك عادةً بعدم قدرتهن على التوفيق بين العمل والدور المتوقع والمفروض عليهن كأمهات، مما يدفع بعض أصحاب الأعمال، خاصة في القطاع الخاص، إلى تجنب توظيفهن. ففي العديد من الحالات، يُستبعدن من فرص […]
قرائة المزيد
article 1
١٨ أكتوبر ٢٠٢٠
عبء مزدوج على النساء: كيف نعيد تقييم مسؤوليات البيت والعمل
غالبًا ما تنتهي مسؤوليات الرجال بانتهاء ساعات العمل الرسمية، لكن النساء ، في كثير من البيوت والمجتمعات، تنتهي في وقت متأخر، لأن “العمل” بالنسبة للنساء لا يقتصر على المكتب أو المؤسسة، بل يمتد ليشمل كل ركن من أركان البيت. منذ الطفولة، تُربى البنات في مجتمعاتنا على أن المنزل جزء من مسؤولياتهن، بل وأحيانًا من هويتهن، […]
قرائة المزيد