احنا هنا

٢١ مايو ٢٠٢٥

الأم العاملة في مصر… بين حماية القانون وواقع التمييز

قامت بكتبتها / زينب الامير

تعاني العديد من الأمهات من تمييز غير عادل في سوق العمل، حيث يُمنعن من التوظيف أو يُقيد حضورهن المهني بسبب مسؤولياتهن الأسرية. يُبرر ذلك عادةً بعدم قدرتهن على التوفيق بين العمل والدور المتوقع والمفروض عليهن كأمهات، مما يدفع بعض أصحاب الأعمال، خاصة في القطاع الخاص، إلى تجنب توظيفهن. ففي العديد من الحالات، يُستبعدن من فرص العمل بمجرد معرفة أصحاب العمل بحالتهن العائلية أو أنهن على وشك الزواج والإنجاب. وتُبرر تلك السياسات التمييزية ضد النساء بحجج واهية، حيث يتم منع التوظيف تحت ذريعة أن الأم ستضطر لأخذ إجازات وضع، وهو ما يُعتبرونه أصحاب العمل عبئًا، حيث يعتقد الكثيرون أن ذلك سيتسبب في تعطيل العمل، ويتم استبدال النساء بالرجال، حتى وإن كنَّ أقل كفاءة.


وفي أماكن أخرى، حيث يتم توظيف الأمهات، لا تٌمنح حقوقهن المتعلقة بالأمومة بشكل كامل، أو يُخترق القانون بشكل صارخ. فالكثير من النساء لا يستمتعن بإجازات الأمومة المدفوعة، أو يُجبرن على العودة إلي العمل مبكراً دون أي مراعاة لظروفهن الصحية أو النفسية بعد الولادة.ولا تزال قضايا وحالات التنمر والتقليل من شأن الأمهات، بالإضافة إلى عدم فهم أصحاب العمل لاحتياجاتهن، من الأمور التى تؤثر سلباً علي مسار حياتهن المهنية، بل إن بعضهن يضطرن للاستقالة أو التراجع عن طموحاتهن المهنية بسبب ذلك.


رغم أن القانون يضمن حقوق النساء في العمل والأمومة، إلا أن هناك فجوة كبيرة بين النصوص القانونية والواقع،  مما يزيد من معاناة النساء ويعرقل تقدمهن في سوق العمل.



التشريعات المصرية: حماية قانونية... ولكن هل تكفي؟


في إطار مكافحة هذا التمييز، عملت الدولة المصرية على إصدار تشريعات تهدف إلي تحسين وضع النساء أثناء مراحل الرعاية. فالدستور المصري لعام 2014 أكّد على المساواة بين الرجال والنساء في فرص العمل. وضمن حقوقًا عديدة للنساء تتيح لهن التوفيق بين حياتهن العملية والأسرية


من أبرز هذه الحقوق، ما نص عليه قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 وتعديله الأخير في 2022، حيث ينص على منح إجازة وضع مدفوعة الأجر لمدة 4 أشهر، تُمنح ثلاث مرات خلال فترة خدمتها. كما يحظر القانون فصل العاملات خلال الحمل أو إجازة الوضع، ويضمن لهن جميع المستحقات المالية.


بالإضافة إلى ذلك، يمنح القانون المرأة ساعة رضاعة يوميًا مدة عامين بعد الولادة، ويمكنها تقسيمها على مدار اليوم بما يتناسب مع ظروفها. وإذا كانت المنشأة تضم أكثر من 100 عاملة، يلزم صاحب العمل بتوفير دار حضانة أو التعاون مع حضانات قريبة لتلبية احتياجات العاملات.


ومن ناحية أخرى، فإن الدستور المصري في المادة (11) يضمن التمكين الكامل للنساء في الحياة العملية، ويؤكد حقهن في إجازات الأمومة وأوقات الرعاية.


كما أن مصر صدّقت على اتفاقية "سيداو" (CEDAW) في عام 1981، التي ترفض التمييز ضد المرأة في جميع المجالات، بما في ذلك فرص العمل، وتؤكد على عدم فصلها أو تهميشها أثناء فترات الأمومة.



الواقع المرير: تحديات تتجاوز النصوص القانونية


رغم وجود التشريعات، لا يزال التمييز ضد الأمهات العاملات مستمرًا في الكثير من أماكن العمل. تروي "أ. م."،إحدى النساء اللواتي عايشن هذا التمييز، تجربتها قائلة: "كنت أعمل في مشروع صغير مع صديقاتي، وعندما حملت كان حملي صعبًا، وأجبرني زوجي على ترك العمل. وعندما قررت العودة للعمل بعد عام من ولادة طفلي، رفض تمامًا رغم حاجتنا للدخل الإضافي."


تُظهر تجربة أ.م  كيف أن بعض الأزواج يتحكمون في القرارات المهنية لزوجاتهم،مما يزيد من أعباء الزوج وحده في ظل الوضع الاقتصادي الحالي، ويؤدي إلى تراجع مشاركة النساء في سوق العمل. وفي بعض الحالات، يُسهم ذلك في ارتفاع نسب الطلاق بسبب الأعباء المالية التي تثقل كاهل الأسرة.


وفي مثال آخر، تروي "ر. ع."، موظفة في القطاع العام، معاناتها بعد شهور من الحمل، حيث تقول: "كنت أعيش إرهاقًا شديدًا في شهور حملي الأخيرة، لكن مديري بدأ يلاحظ تقصيري في العمل. ومع زيادة وزني بسبب الحمل، تعرضت للتنمر من زملائي. وعند عودتي من إجازة الوضع، فوجئت بنقلي إلى مكتب آخر، وهو ما سبب لي إحباطًا شديدًا."


هذة القصص تعكس معاناة الأمهات العاملات من التنمر والتقليل من شأنهن في مكان العمل، وهو ما يعرقل قدرتهن على الاستمرار والإنتاج.  رغم أن النساء يساهمن في بناء الأسرة والمجتمع، إلا أنها في كثير من الأحيان تُحرم من فرصة المشاركة الكاملة في سوق العمل، ويتعامل المجتمع بأن حقها في العمل هو رفاهية ويمكن الاستغناء عنها.



الحاجة الملحة لتغيير الواقع


إن التمييز ضد النساء في سوق العمل في مرحلة الانجاب والرعاية  ويتقاطع مع تحملهن عبءالأدوار المجتمعية  المفروضة عليهن .  فهي قضية مجتمعية تتطلب حلولًا شاملة. من الأهمية بمكان أن تتبنى الجهات المعنية سياسات فعّالة لحماية الأمهات العاملات في القطاعين العام والخاص.  وتفعيل القوانين بشكل حازم من خلال رقابة دقيقة على مدى تنفيذها في أماكن العمل، ومعاقبة المخالفين.


كما يتطلب الأمر إطلاق حملات توعية مستمرة بهدف تغيير النظرة النمطية السائدة تجاه الأم العاملة، وتعزيز فكرة أن النساء لسن عبئًا على سوق العمل، بل هن ركيزة أساسية في بناء المجتمع ودعمه.


يجب العمل على توفير وتهيئة بيئة عمل آمنة وتراعي احتياجات النساء وتمكنهن من التوازن بين حياتها الشخصية وعملها، وسد الفجوة بين النصوص القانونية والواقع يتطلب جهدًا متواصلًا من جميع الجهات المعنية لتحقيق مزيد من العدالة والمساواة.

مقالات اخري

article 1
١٨ أكتوبر ٢٠٢٠
الإقصاء المقنّع: حين يتحول الجمال إلى شرط وظيفي
في كل خطوة تخطوها النساء نحو تحقيق ذاتها المهنية، تقف أمامهن عوائق كثيرة، بعضها يظهر للعيان، والآخر خفي. لكن من بين أكثر هذه العوائق صمتًا ، يأتي التمييز القائم على المظهر، ذلك الحكم غير المعلن الذي يُمارس على النساء في أماكن العمل، كأن وجوههن وسيلة لقياس قدراتهن، لا خبراتهن أو إنجازاتهن. في العديد من الوظائف، […]
قرائة المزيد
article 1
١٨ أكتوبر ٢٠٢٠
عبء مزدوج على النساء: كيف نعيد تقييم مسؤوليات البيت والعمل
غالبًا ما تنتهي مسؤوليات الرجال بانتهاء ساعات العمل الرسمية، لكن النساء ، في كثير من البيوت والمجتمعات، تنتهي في وقت متأخر، لأن “العمل” بالنسبة للنساء لا يقتصر على المكتب أو المؤسسة، بل يمتد ليشمل كل ركن من أركان البيت. منذ الطفولة، تُربى البنات في مجتمعاتنا على أن المنزل جزء من مسؤولياتهن، بل وأحيانًا من هويتهن، […]
قرائة المزيد