احنا هنا

٢٦ يناير ٢٠٢١

ما لا يمكن البوح به

قامت بكتبتها / مها أسامه عباس
لا أعلم متى بدأ ذلك كنا جالسات في مقهى الجامعه منتظرات موعد المحاضرة القادمة في صمت يملؤه خوف تسرب الى داخلنا رويدا رويدا ولا نعلم متى بدأ ذلك الخوف في التسرب وفجأه قطع صمتنا وقوف احدانا للتحدث كانت تدعى وفاء طقطقت اصابعها و كأنها تحاول ازالة قيود الخوف الذي تسرب داخل جسدها ونطقت بتلك الكلمات التي لا نبوح بها فقالت " اتعرضت للتحرش الجنسي " ساد الصمت مرة اخرى مع علو نبضات القلب و كأنها تحاول ان تقول النجدة فليساعدني احد ، جال في خاطري سؤال لم اجد اجابته في تلك اللحظه لما لا يمكننا البوح بما يفترض ان نبوح به ،قطع صمتنا مرة اخرى بصوت احداهن وهي تعلن قدوم موعد المحاضرة ، نهضن جميعا بشكل سريع محاولات التخلص من بقايا الخوف العالق بأذهانهن وتسابقن للوصول الى قاعة المحاضره لعلهن ينسين ماسمعنه في مقهى الجامعة

لم اتكلم ولكنني لم انسى

مرت الايام ومازال صوت نبضات قلوبهن الوجلة وهي تستغيث عالقا في ذهني وفي النهاية قررت الا اقف مكتوفة الايدي ؛ علينا ان نبوح بما لايفترض ان نبوح به ؛ كنت اعلم ان مهمتي في جعلهن يبوحن بذلك ليست بالامر الهين على الاطلاق ولكنني رفضت الاستسلام .
مرت أيام اخر وانا احاول ان اخرج من افواههن الكلمات حتى استطيع مساعدتهن على الاقل بالاستماع لهن ومحاولة مشاركتهن ذلك الالم ، وفي احد الايام وانا عائدة الى المنزل بعد انتهاء يوم طويل من المحاضرات تلقيت اتصالا من تسنيم وهي احدى الفتيات التي كانت متواجده معنا اثناء اعتراف وفاء وقد علمت عن محاولاتي في التخفيف عليهن عبء الصمت والتناسي ، تنهدت بعمق لتستجمع شجاعتها وتروي ما حدث لها بدأت كلماتها قائلة " محكتش لحد اللي حصل بس معرفتش انساه طول الخمس سنين دي " . أبت كلماتها الخروج من بين شفتيها ولكنها لم تستسلم بل كانت تدفعها بالقوة واردفت قائله
"كنت ماشية في الشواربي بعد ما اشتريت اللي عايزاه ومروحه فجأة فضل يقرب مني راجل ومعاه ابنه انا مكنتش خايفه اصلي ماتوقعتش ان راجل ماشي بأبنه في السوق واكيد نازل بي علشان يشتريلوا حاجه ممكن يأذيني و ياريتني كنت خفت ؛ قرب مني وقرصني في رجلي وابنه قلدوا وضحكوا ومشيوا ، انا مستغربه ازاي الناس كانت شايفه اللي حصل ومع ذلك محدش اتكلم " ثم انهت اتصالها بصوت يوضح ان شلالات من الدموع توشك على الفيضان . كنت اعتقد ان ماتحدثت عنه لن يؤثر بي انا فقط احاول المساعده بالاستماع لها ولكن كلماتها جعلت قلبي الحزين يأبى ان يكتفي بإستماع اعترافات الناجيات فقط كمحاوله للتخفيف عنهن بل قررت ان اسعى وراء معرفة السبب في ذلك وكشف حقيقة ان المرأة تخضع للتعنيف والاذلال لمجرد كونها امرأة يتم النظر اليها فقط كأداة اثارة وليس كإنسانه من حقها ان تعيش في ظل الامن والاستقرار .
بعد عدة دقائق من انهاء المكالمة مع تسنيم رن هاتفي مره اخرى كانت المتصلة هي احدى ابناء عمومتي تدعى الاء اسعد وبالرغم انها لم تكن واحده من الناجيات اللاتي تعرضن للعنف الجنسي ولكن حتى رؤية احداهن امامها تتعرض للتحرش قد اصابها بالخوف وعدم الشعور بالامان حتى هي لم تستطع ان تبوح بما رأته بدأت تقص ما حدث قائله " انا ما اتعرضتش للتحرش بس انا شوفت واحده بيتم التحرش بيها قدامي و لحد دلوقت معرفتش انسى اللي حصل مهما مرت الايام عليا ، كنت عايزه اضربه او حتى اهزقه بس خوفت ليتحرش بيا وانا عارفه ان محدش هينجدني " زاد اصراري على معرفة السبب وراء ذلك بعد مهاتفة الاء لي .


ماذا بعد الخروج من الصمت الى وميض البوح

كانت اولى خطواتي التي اتخذتها نتيجة اصراري لمعرفة السبب وراء تلك الجريمه البشعه في حق المرأة هي البحث عن قانون رادع يعاقب به من ارتكب جريمة التحرش وبالفعل قد وجدت نص واضح وصريح من قانون العقوبات في الماده رقم 306 بمعاقبة كل من ارتكب جريمة التحرش بالحبس مدة لا تقل عن سنه مع دفع غرامه لا تقل عن خمسة الاف جنيها ولا تزيد عن عشرة الاف جنيها او يتم معاقبة المتحرش بإحدى العقوبتين الدفع او الحبس .
على الاقل قد وجدت مايجرم ذلك الفعل الشنيع فقررت ان تكون خطوتي التالية هي معرفة ان كان هناك فتاة حاولت استخدام حقها في معاقبة من انتهك جسدها دون وجه حق .
سألت العديد من المحاميات اللاتي اكدن لي انه لا توجد فتاه في الصعيد بوجه عام واسوان بوجه خاص لديها الجرأة ان تبوح لاهلها عما تعرضت له وان فعلت ذلك وامتلكت تلك الجرأة فأنها لن تستطع ان تأخذ حقها من المتحرش حيث ان تقاليد مجتمعنا تقف عائقا امام ذلك حفاظا على سمعتها كما يدعون في ذلك المجتمع الذي ينكر كون المرأة من حقها ان تثأر ممن تعرض لها بالاذى او الانتهاك في ظل تنفيذ القانون .


الخلاص والنجدة
اصبحت تنهال على حساباتي الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعيه العديد من الرسائل من ناجيات تعرضن للتحرش الجنسي عندما تسرب اليهن الحديث عن رغبتي في تقديم المساعدة وكأنهن قد وجدن من يعبر بهن الى بر الامان حتى وان كان ذلك بالبوح فقط رغبة منهن في التخلص من ذلك الالم الشنيع بداخلهن .
جميع الرسائل التي ارسلت الي كانت متشابهه نفس الاحداث بنفس التفاصيل حتى بنفس الالم النفسي الذي ظل عالقا بداخلهن ، قد لفتت انتباهي احدى تلك الرسائل التي بعثتها الي احداهن مرفقه بداخلها وجوه مضحكه وكأنها لا تبال بما تعرضت له من ألم او تحاول ان تظهر انها بخير واستطاعت تخطي ذلك ، صاحبة الرساله كانت تدعى اميرة قصتها متشابهه مع جميع الناجيات فجميعهن يتحدثن ان تلك الواقعه قد تمت اما في وسائل النقل العامه او في الاماكن المزدحمه او عن طريق شاب راكبا الموتوسيكل الخاص به يقوم بالابطاء والاقتراب منها للمسها ثم يسرع هاربا . انتهيت من قرأة جميع الرسائل وقد شجعتني لاكمال مهمتي جملة قد كتبتها اميرة في رسالتها قائله " انا متشكره انك ساعدتيني اني اقول اللي لايمكن اتخيل كنت اقوله وبمجرد ماخلصت كتابة الرسالة دي حسيت بأرتياح كنت محتاجه لحد يسمعني من غير مايصدني او يحسسني اني انا السبب " بالرغم ان ما وضعته من ملصقات مضحكه داخل رسالتها يوحي بعدم اهتمامها بالامر الا ان كلماتها كانت وكأنها قد كتبت بأدمعها ، استمرت تلك العباره البسيطه " او يحسسني اني انا السبب " التي كتبتها اميرة لي في التردد في ذهني فقررت انه قد حان الوقت للاستماع لشهادات السلطه الابويه .

لحظة كشف المسكوت عنه

سألت مجموعه من الرجال ذوي اعمار مختلفه عن السبب الرئيسي وراء تعرض الفتاه للتحرش الجنسي الاغلبيه العظمى منهم يرون ان السبب وراء ذلك يتوقف على مايرتدينه الفتيات مبررين للمتحرش جريمته لمجرد انه رجل ويلقون اللوم على عاتق الناجيات فدائما يلقى اللوم على المرأة في ظل القمع الذكوري ، لم تقنعني اجابتهم حيث كانت احدى الناجيات من الفتيات المنتقبات وعندما واجهتهم بذلك بعضهم لم يستطع ان يثبت صحة اجابته وفضل الصمت والبعض الاخر قد قرر ان يجادل من اجل المجادله وحسب ليثبت ان الذكر له الاحقيه في كل شئ

واحد فقط من بينهم استطاع ان ينظر الى تلك الجريمه بنظره صحيحه يدعى عبد المنعم وهو شاب يبلغ من العمر 27 سنه يعمل كمندوب مبيعات في احدى الشركات قبل ان يجيبني على سؤالي صمت لفتره ثم قال "السبب ان الراجل شايف انه من حقه يعمل اللي هو عايزه وتجنبا للحوادث دي انا بخلي اختي ماتنزلش لوحدها ولا تروح مكان زحمه " بالرغم ان اجابته كانت من اكثر الاجابات المرضيه والتي تنصف المرأه بشكل ما الا انه بختام جملته الاخيره قد وضع قيود على حرية المرأة في التنقل في اي مكان واي زمان مع شعورها بالامان . كل تلك المراحل التي مررت بها وانا احاول معرفة السبب وراء ذلك جعلتني اتأكد انه لا يوجد سبب للكتمان سوى نظرة المجتمع الذكوري للناجيات والذي يرى ان من الافضل لها الصمت لانها ان تحدثت سيلقى عليها اللوم وليس على الجاني



اصبحت تجول في خاطري كل الكلمات التي شاركتها معي الناجيات وكأن تلك الكلمات تحاول ان تنبش داخل ذاكرتي لتخرج ما حاولت نسيانه هو انني كنت سأصبح واحده ممن تعرضن للانتهاك الجسدي ، حدث ذلك عندما كنت طفله لم تتجاوز الرابعة عشر من عمرها كنت عائده من مدرستي راكبه اتوبيس النقل العام وكان مزدحما الى حد انني ظننته انه سوف ينفجر من الازدحام كنت جالسه على مقعد مجاورا لباب الاتوبيس حاول شخص يقف على السلم المؤدي الى الباب لمسي ولكن زميل لي في المدرسه يدعى محمد صلاح والذي كان يصغرني بعام كان صدفة راكبا معي في الاتوبيس وقد رأى ما يحاول المتحرش فعله دفعه خارجا قبل ان يضع يده علي ولحسن حظ المتحرش ان الاتوبيس كان يبطء لوجود اشارة حمراء فسقط وفر هاربا . بالرغم من انني قد تم انقاذي من التعرض للانتهاك الجسدي الا ان ذلك الموقف قد اصابني بالرعب من التواجد بمفردي في الاماكن العامه مكثت في البيت لفترة طويله محاوله تناسي ما حدث ها انا ايضا قد استجمعت شجاعتي لاتحدث على ما لا يمكن البوح به .تشجعن ولا تقفن امام تلك الجريمه مكتوفات الايدي لا اريد منكن البوح فقط فلكي نقضي على تلك الظاهره يجب ان تتحدين تقاليد المجتمع وتستخدمن حقكن في معاقبة المتحرش

مقالات اخري

article 1
١٨ أكتوبر ٢٠٢٠
أدوار النساء في بناء المجتمع ومواجهة الاستعمار: من النضال التاريخي إلى الواقع الحالي
من خلال قراءتي لكتاب “بناء ونضال”من تأليف هدى الصدة وميسان حسن صدرعن مؤسسة المرأة والذاكرة في عام 2018، نجد أن النساء لعبن دورًا هامًا في النهوض بالمجتمع والتصدي لآثار الاستعمار منذ القرن التاسع عشر. فقد أسست العديد من النساء مؤسسات وجمعيات خيرية وشاركن في الأنشطة الاجتماعية والتعليمية والثقافية والصحية. على سبيل المثال، أسست زينب أنيس […]
قرائة المزيد
article 1
١٨ أكتوبر ٢٠٢٠
الصحافة النسوية: أداة للتغيير الاجتماعي وتعزيز حقوق النساء.
النسوية والوعي مرتبطا معا على نحو ملحوظ لفهم قضايا النساء ومساندتها في المجتمع ثم إنَّهما يعدان أدوات مهمة للتغيير في المجتمع، ويرجع ذلك لأسباب عدة تقوم بها النسوية من أبرزها تعزيز العدالة والمساواة، إعطاء صوت للنساء وتسليط الضوء على حقوقهن، والبعد عن الصور النمطية التي وضعها المجتمع، ومن وهذه الصورة تتجسد في أن مسؤولية النساء […]
قرائة المزيد