احنا هنا

١٨ أغسطس ٢٠٢٤

تابعيات الحركة النسوية في إحداث تغيير والمطالبة بالحقوق المشروعة

قامت بكتبتها / بسمة طارق

حققت الحركة النسوية العديد من التغيرات خاصةً في المجتمع الغربي الذي أصبحت فيه النساء  تتمتع بالحصول على حقها في الاقتراع، وزيادة فرص حصولها على التعليم، بالإضافة إلى الحصول على أجور متكافئة بالنسبة لأجور الرجال، ونيلها الحق في بدء اتخاذ إجراءات الطلاق، وحقها الفردي في اتخاذ قرار بشأن الحمل، ونيل الحق في التملّك الأراضي والعقارات.


ولم تتوقف جهود الحركة النسوية عند هذا الحد، ولم تَكْتَفِي بتلك الحقوق البديهية، فمنذ ستينيات القرن العشرين فصاعدًا، أطلقت حركة تحرير النساء حملة من أجل حقوق النساء  التي أسفرت عن نتائج متباينة فعلى سبيل المثال لا الحصر، الحق في السلامة الجسدية والاستقلال الذاتي، والحق في التصويت (الاقتراع العام)، والحق في الخدمة العسكرية، والحق في إبرام عقود قانونية، والحق في التمتع بالحقوق الزوجية والوالدية والدينية كما عملت النسويات على حماية النساء والفتيات من الاعتداءات الجنسية، وكذلك على الأطفال.


أما عن المجتمع الشرقي أي المحلي، ومصر تحديداً فقد أصبح مصطلح النسوية من المصطلحات شائعة التداول في مصر في الآونة الأخيرة وترجمته الإنجليزية "فيمينزم" ومسمى الناشطات في مجال حقوق النساء  "فمينيست"، حيث يدور حول هذا المصطلح الحقوقي حواراً مجتمعي واسع غير منظم عبر منصات التواصل الاجتماعي وغيرها.


والجدير بالذكر أن هذا المصطلح "فيمينزم / فيمينست" قد أثار جدلاً واسعًا حول مفهومه الحقيقي حيث يعتقد البعض أن النسوية ترتبط بأمور مثل 'التعري' أو 'الانحراف'، بينما ان الأصح وما تنادي به وتؤكد عليه  النسوية والناشطين والناشطات النسويين والنسويات أن هذه الأفكار وتلك الأفكار المغلوطة لا تعكس النسوية الحقيقية فالنسوية لا يوجد فيها ما يسمى بالانحراف أو العري  فللنساء مطلق الحرية في جسدها واختياراتها دون أن يقع عليهن وصم أو أن يضعن في قالب نمطي بناء علي اختياراتهن في شكلهن وملبسهن فالنسوية ايضا تعني الدفاع عن حقوق النساء، والمساواة مع الرجل، وتحقيق العدالة الجندرية ، والعمل على تعديل التشريعات والقوانين لضمان حقوق النساء في مختلف المجالات


و هناك العديد من التوجهات النسوية، مثل 'النسوية الإسلامية' والنسوية الليبرالية والنسوية الراديكالية'. كل من هذه الاتجاهات تستند إلى مرجعيات مختلفة. لكن  الهدف العام هو مواجهة 'المجتمع الذكوري وسلطته"، الذي يميل إلى تفضيل الرجل على حساب النساء في العادات والتقاليد، وربما الحقوق. ويسعين إلى تحقيق المساواة التامة مع الرجل وضمان العدالة في جميع المجالات.


ويمكننا إبراز أهم مجهودات الحركة النسوية في موجاتها الأربع.


حيث ظهرت "الموجة الأولى" في مطلع القرن العشرين متزامنة مع تصاعد الحركة الوطنية المصرية ومطالبها بالاستقلال السياسي، وإنهاء الاحتلال البريطاني، ولعل أبرز المطالب التي رفعتها النسويات المصريات في تلك الفترة؛ هي: مطالب تتطرق إلى ثلاثة جوانب من حياة النساء المصريات، وتخص إلغاء أشكال التمييز الواقع عليهنَّ في مجال التعليم، والأحوال الشخصية، والتمثيل النيابي.


والجدير بالذكر إن قرار تعليم البنات والبنين إلزاميا في المدارس الحكومية بلا تمييز جاء نتيجة جهود الحركة النسوية، ولكن الدستور المصري لم ينصَّ على المطلب الأساسي الآخر الممثَّل في المساواة في التمثيل النيابي مثلا.


وشهدت فترة الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين تأميم العمل الأهلي والسياسي بوجهٍ عام، حيث حُلّ الاتحاد النسائي المصري، والحزب النسائي المصري، وتأميم العمل النسوي؛ لتدخل الحركة النسوية المصرية مرحلة ما يطلق عليه في العلوم السياسية "نسوية الدولة"؛ بمعنى: استئثار الدولة بالتعامل مع كافة القضايا والمسارات المرتبطة بالمطالب النسوية. وهو الوضع الذي يشير إلى "موجة ثانية" مختلفة عن العقود الأولى من القرن العشرين، مع ظهور اهتمام بالصحة الإنجابية، وختان الإناث، وتزويج الطفلات، جنبًا إلى جنب مع قضايا الأحوال الشخصية والتمثيل السياسي.


ويمكننا التطرق إلي "الموجة الثالثة" من خلال الربط بينها وبين الموجة الثانية والتي اتسمت بتمركز العمل النسوي في إطار المجتمع المدني، مع ربط قضايا النساء بحقوق الإنسان، والالتفات إلى الجوانب الثقافية المتعلقة بأوضاع النساء في المجتمع، كالإعلام والتعليم والمعرفة والوعي، بما يشكل موجة جديدة هي "الثالثة" في تاريخ الحركة النسوية المصرية، والتي استمرت حتى انطلاق ثورة يناير 2011، حين انتقلت الحركة إلى مرحلة جديدة لها سماتها المميزة، فمع انطلاق ثورة يناير شكلت المنظمات النسوية كيانًا مشتركًا؛ هو تحالف المنظمات النسوية؛ للتعبير عن موقفها الداعم والمشارك في الثورة، حيث شهدت شوارع المدن الكبرى والمراكز والقرى مشاركة النساء في مسيرات الثورة تطلُّعًا إلى مستقبل جديد.


وكانت السنوات الماضية القليلة قد شهدت بداية نشأة بعض المبادرات النسوية الشابة في مختلف أنحاء الجمهورية؛ منها ما هو قريب من الحركات الثورية، ومنها ما هو أقرب إلى المؤسسات النسوية.


ومع سير الأحداث شهدت الشوارع المصرية جهود الشابات والنساء المتمثل في قضايا التحرش الجنسي، والاعتداء المنهجي، والاغتصاب الجماعي، والذي كانت أولى بوادره قد ظهرت في مظاهرة يوم الأربعاء الأسود 25 مايو 2005 أمام نقابة الصحفيين بالقاهرة. وقد كان لتجربة الثورة في يناير 2011 فصاعدًا دورها في تطوير الحَراك النسوي ؛ بحيث صارت قضية أجساد النساء في المجال العام والخاص قضية ذات أولوية، حتي اصبحت محورًا أساسيًّا في العمل النسوي، وقد منحته الشابات النسويات دَفعةً قوية إلى الأمام فيما يمثل "موجةً رابعة" في تاريخ الحركة النسوية المصرية.


وهكذا نجد انفسنا اليوم أمام حركة نسوية تضم جيلًا جديدًا يعيد طرح أسئلة مهمة، وعلى رأسها مسألة التنظيم في إطار قانون العمل الأهلي، ومسألة أجساد النساء ، وغيرهم من المسائل المثارة علي الساحة النسوية ، ولعل الطَّفْرة الكبرى التي نراها في الموجة الحالية تتمثل في الاتساع الكبير في الوعي والتعبير والتضامن، والذي لا يقتصر على الشكل التنظيمي التقليدي الممثَّل في الجمعيات والمنظمات، وإنما في المبادرات والمجموعات المستقلة التي تنطلق في رؤيتها النسوية من تجاربها الشخصية، وتسعى إلى تنمية وعيها والتعبير عن ذاتها من خلال أدوات التواصل الاجتماعي.

مقالات اخري

article 1
١٨ أكتوبر ٢٠٢٠
أدوار النساء في بناء المجتمع ومواجهة الاستعمار: من النضال التاريخي إلى الواقع الحالي
من خلال قراءتي لكتاب “بناء ونضال”من تأليف هدى الصدة وميسان حسن صدرعن مؤسسة المرأة والذاكرة في عام 2018، نجد أن النساء لعبن دورًا هامًا في النهوض بالمجتمع والتصدي لآثار الاستعمار منذ القرن التاسع عشر. فقد أسست العديد من النساء مؤسسات وجمعيات خيرية وشاركن في الأنشطة الاجتماعية والتعليمية والثقافية والصحية. على سبيل المثال، أسست زينب أنيس […]
قرائة المزيد
article 1
١٨ أكتوبر ٢٠٢٠
الصحافة النسوية: أداة للتغيير الاجتماعي وتعزيز حقوق النساء.
النسوية والوعي مرتبطا معا على نحو ملحوظ لفهم قضايا النساء ومساندتها في المجتمع ثم إنَّهما يعدان أدوات مهمة للتغيير في المجتمع، ويرجع ذلك لأسباب عدة تقوم بها النسوية من أبرزها تعزيز العدالة والمساواة، إعطاء صوت للنساء وتسليط الضوء على حقوقهن، والبعد عن الصور النمطية التي وضعها المجتمع، ومن وهذه الصورة تتجسد في أن مسؤولية النساء […]
قرائة المزيد