احنا هنا

٠٣ نوفمبر ٢٠٢٥

نساء يعملن بلا أجر: كيف تُعيد الادوار الجندرية ترسيخ الظلم داخل البيت

قامت بكتبتها / هاجر سعيد
ترسخ في الوعي الجمعي صورة نمطية قديمة عن “المرأة المثالية” بعد الزواج، تلك التي تُكرّس وقتها لخدمة المنزل والزوج والأبناء دون كلل أو شكوى. يُنظر إلى تعبها وكفاحها كشرطٍ أساسي لأن تُوصف بأنها “امرأة حقيقية”، وكأن قيمتها تُقاس بمدى انغماسها في العمل المنزلي، لا بقدرتها على تحقيق ذاتها أو توازن حياتها.وحين تحاول المرأة التخفيف عن نفسها — كأن تُحضّر وجبات سريعة التسخين، أو ترسل السجاد للتنظيف الجاف، أو تشتري أجهزة تُسهّل الأعمال المنزلية — تُواجَه باتهامات بالدلع والتقصير. أي محاولة لتبسيط المهام تُعتبر خروجًا عن “الطبيعة الأنثوية” المفروضة عليها اجتماعيًا، وكأن راحتها ترف غير مستحق.تتحول محاولتها لتدبير وقتها إلى ساحة محاكمة اجتماعية، تترسخ فيها وصمة أن المرأة الجيدة هي المتعبة دائمًا.تتجاوز هذه الصورة النمطية مجرد تحميل المرأة أعباءً مادية وجسدية، و تقيدها بمعايير قاسية تُختزل فيها قيمتها بما تُنجزه في المطبخ أو غرفة الغسيل، متجاهلة أنها شريكة في البيت لا خادمة فيه. 

العمل غير المأجور: تعب لا يُحتسب

يطلق مصطلح بـ "العمل غير المأجور" على كل الجهد الذي تبذله النساء في إدارة شؤون المنزل، من تنظيف، وطهي، ورعاية الأطفال وكبار السن، وتنظيم تفاصيل الحياة اليومية — دون أن يُحسب كعمل منتج في الاقتصاد الرسمي
رغم أن هذا الجهد يُشكّل عماد الحياة اليومية، إلا أنه يبقى غير معترف به، وكأنه امتداد طبيعي لدور المرأة، لا عملًا يستحق التقدير أو الأجر

لكن في ثقافتنا، لا يُعترف به أصلًا فهو “واجب طبيعي” على النساء ، مهما كانت عاملة أو لا، ومهما كان دخلها أو وضعها الصحي لا يُعتبر مجهودًا يستحق التقدير، بل يُنظر إليه كجزء من “أنوثتها”، وكأنها تولد وهي مهيّأة لخدمة الجميع النتيجة أن النساء يعملن ساعات إضافية يوميًا بلا مقابل، وبلا اعتراف، في ظل نظام اقتصادي واجتماعي يُقنن لتعبهن ويمحو أثره.

نساء يعملن نوبتين في اليوم 


تعيش النساء العاملات معادلة مستحيلة: أن يتفوّقن في عملهن خارج البيت، ثم يبدأن نوبة ثانية داخله. بعد يومٍ طويل من المهام المهنية، تعود المرأة لتواجه ضغط الأعمال المنزلية وكأنها “واجب طبيعي” لا يُمكن التهرب منه.

المجتمع الذي يلوم المرأة غير العاملة على “الكسل” هو نفسه الذي يتهم العاملة بالتقصير في بيتها، ليُبقيها بين مطرقة الاتهام وسندان الإرهاق.

بهذا المعنى، تعمل النساء في نظام مزدوج من الاستغلال: اقتصادي لا يُقدّر أجورهن، واجتماعي لا يُعترف بجهدهن

وعندما نرى نماذج من الأزواج الذين يُساعدون زوجاتهم لتخفيف أعباء المنزل عن كاهلهن، نرى أن هناك وصمة، وكأن الناس تتساءل: "كيف تكون رجل البيت وأنت تُساعد زوجتك؟"، مع أن هناك أوقاتًا من السنة، مثل شهر رمضان الكريم، تكون فيها المرأة مُتحملة عبء إعداد الإفطار، وتحاول أن تلتزم بعبادات رمضان، وسط تجمعات الأصدقاء والعائلة والعزائم، وتحاول التوازن بين كل ذلك وبين عملها

صورة نمطية تُعيد إنتاج الظلم


تبدأ الصورة النمطية للأدوار الجندرية منذ الطفولة؛ إذ تُربى الفتيات على الطاعة والهدوء والقيام بشؤون البيت، بينما يُربى الأولاد على أن “شغل البيت مش للرجالة”. يتشكل وعيٌ مبكر يرى مسؤولية المنزل مسؤولية أنثوية خالصة، فينشأ جيل جديد يعيد إنتاج الأنماط نفسها التي تُرهق النساء وتُعفي الرجال من المشاركة.تسهم المناهج التعليمية والإعلانات التجارية أيضًا في إعادة تدوير هذه الصور، فتُقدَّم الأم دائمًا داخل المطبخ، والأب على المكتب، وكأنها طبيعة أبدية لا تُناقش هذا التلقين المبكر يجعل من الصعب كسر الدائرة، لأن التمييز يُغرس في التفاصيل الصغيرة: في الجمل اليومية، وفي الأمثلة الشعبية، وفي القصص التي تُحكى للأطفال.

تكبر النساء في مواجهة خيارين أحلاهما مُرّ: إن بقين في البيت، وُصِفن بأنهن بلا طموح، وإن خرجن للعمل، اتُّهمن بإهمال أسرهن.

تُفرغ هذه الازدواجية حرية الاختيار من معناها، وتجعل أي قرار تتخذه المرأة محاطًا بالذنب واللوم، وكأنها مطالبة دائمًا بإرضاء الجميع على حساب صحتها الجسدية والنفسية.فما يبدو قرارًا شخصيًا للنساء، هو في جوهره نتيجة لبنية اجتماعية لا تزال تُقنن التمييز وتُعيد إنتاجه داخل البيت.

 

توصيات لمعالجة الظاهرة



  1. الاعتراف المجتمعي بالعمل المنزلي كعمل منتج يجب أن يُدرج في الخطاب الإعلامي والمؤسسي.


  2. تضمين مفاهيم المساواة وتقاسم المسؤوليات في المناهج التعليمية منذ المراحل المبكرة.


  3. تشجيع سياسات عمل مرنة للنساء والرجال معًا، بما يتيح تقاسم الأدوار داخل الأسرة دون إضرار بالمسار المهني.


  4. إنتاج محتوى إعلامي مقاوم للصور النمطية التي تُروّج لفكرة أن المرأة وحدها مسؤولة عن إدارة البيت.


  5. إطلاق حملات توعية عن مفهوم “العمل غير المأجور” وأثره الاقتصادي والنفسي على النساء.


  6. تشجيع الرجال على المشاركة المنزلية من خلال نماذج إيجابية تُعيد تعريف الرجولة كشراكة لا سلطة.



ليست القضية أن تُصبح كل امرأة عاملة أو كل امرأة "ست بيت"، بل أن تمتلك الحرية في أن تختار، دون أن تُحاسب أو تُدان
القضية أن ندرك أن العدالة تبدأ من الداخل — من تقسيم الأدوار في البيت، ومن الاعتراف بتعب النساء غير المرئي الذي يُبقي البيوت قائمة.
وأن نكفّ عن مطالبة النساء بأن يكنّ خارقات طوال الوقت، بينما نُقدّس كسلاً مجتمعياً مغلفًا باسم “الرجولة” و“الطبيعة الأنثوية”.

مقالات اخري

article 1
١٨ أكتوبر ٢٠٢٠
بين المحاكم والصمت : حكايات نساء قلن “عايزة أطلّق”
“عايزة أطلّق” — جملة قصيرة، لكنها تحمل وراءها حياةً كاملة من الصمت، والألم والانكسار هي ليست  كلمتين فقط ، بل صرخة  امرأةٍ قررت أن تقول “كفى” بعد سنوات من التحمل والخوف والخذلان. في السنوات الأخيرة، صارت هذه العبارة تُسمع أكثر على ألسنة النساء، كأنها طوق نجاة يتشبثن  به للخروج من دائرةٍ مغلقة من العنف والضغوط، […]
قرائة المزيد
article 1
١٨ أكتوبر ٢٠٢٠
ملاذ بلا عدالة” هل يتجاهل القانون المصري جرائم العنف الجنسي ضد الناجيات السودانيات”
فرضت حرب 15 أبريل 2023  بالخرطوم واقعاً امنياً مختلفاً للنساء السودانيات وجدت آلاف النساء السودانيات أنفسهن مضطرات لعبور الحدود نحو مصر، حاملات معهن ذاكرة الحرب و واقعًا جديدًا لا يقل قسوة عن  الواقع الذي هربن منه،  فمخاطر  العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي لا تعرف الحدود فتلاحقهن حتى في المنفى  بينما تعيق الحواجز الاجتماعية والقانونية […]
قرائة المزيد