احنا هنا

٢٦ سبتمبر ٢٠٢٥

كيف زاردت الولادة القيصرية بهذا القدر ؟

قامت بكتبتها / فريق مبادرة جندريست


أسباب ارتفاع نسب الولادات القيصرية: بين الطب والمجتمع والتجربة الشخصية

اتت الولادات القيصرية كحل طبي للولادات المتعسرة أو الحرجة ولكن سرعان ما تبدل الحال في السنوات الأخيرة  بازدياد مبالغ فيه للولادات القيصرية مقابل الطبيعية بشكل لافت في كثير من دول العالم، ولا سيما في العالم العربي وحظيت مصر بأعلى نسب الولادات القيصرية حيث وصلت الى  72.7% من إجمالي الولادات وفقًا لآخر مسح صحي للأسر المصرية عام 2021، وهو رقم يتجاوز بكثير ما توصي به منظمة الصحة العالمية (10–15%). السؤال المطروح: ما الذي جعل القيصرية تتحول من خيار علاجي استثنائي إلى الخيار الأول لكثير من الامهات؟

 

كما ذكرنا انفاً  ان الغرض الاساسي من الولادة القيصرية هي اسباب طبية بحتة لانجاح عملية الولادة وتجنب الخطر  ولكن هذه الاسباب سرعان ما تقاطعت مع عوامل أخرى تجعلها بديل مناسب للنساء والأطباء وبعيداً عن الحاجة الطبية و نتناولها أدناه:

. التحولات الاجتماعية والصحية للأمهات

هناك تقاطعات اجتماعية\ صحية من أبرزها عوامل تأخر سن الزواج والإنجاب، مما يرفع من مخاطر الحمل مثل ارتفاع ضغط الدم أو سكري الحمل. هذه المضاعفات تجعل الولادة الطبيعية أكثر صعوبة، فيلجأ الأطباء إلى القيصرية كخيار آمن.

وتقول الدكتورة منى (اسم مستعار):

"قبل سنوات، كانت القيصرية الملاذ الأخير، لكن الآن أجد نفسي ألجأ إليها أكثر بسبب الحالات المعقدة المرتبطة بتقدم سن الإنجاب أو الحمل بتوأم أو أطفال أنابيب."

جانب اخر نجد ان هذه الحجة تصحبها ضغوط اجتماعية على النساء عند تقديم سن الولادة مثل ( كيف ستولدين؟ الا تخافي الخ  ) وغيرها من التعليقات التي قد لا يكون لها اساس من الصحة اذا ما حظيت الحامل على رعاية ومتابعة صحية مبكرة من بداية الحمل مما تسهل وتتيح المجال لإمكانية الولادة الطبيعية.

. الخوف النفسي وثقافة الألم

الكثير من النساء يتأثرن القصص المخيفة المنتشرة عن الولادة الطبيعية، سواء من صديقاتهن أو من وسائل التواصل. هذا الخوف يقودهن إلى طلب القيصرية حتى لو كانت حالتهم الصحية تسمح بالولادة الطبيعية.

تحكي "سارة"، أم لطفلين:

"كنت أسمع قصصًا مرعبة عن آلام الولادة، فاخترت القيصرية، شعرت أنها أسهل ومخطط لها، وبعد ساعة كان طفلي بين يدي. معظم صديقاتي يفعلن الشيء نفسه الآن."

وتضيف فاطمة:

"رغم أن حالتي كانت طبيعية، خوفي من الألم جعلني أصر على القيصرية. الآن أرى صديقاتي الأصغر مني يعتبرنها الخيار الأول مثلي."

 

هذه الأمثلة تعكس انتشار ثقافة ترى القيصرية حديثة وأكثر ضمانًا، مقابل تراجع الثقة بالولادة الطبيعية.

. المصالح الطبية والضغوط المهنية

الأطباء أيضًا يواجهون ضغوطًا. الولادة الطبيعية غير متوقعة من حيث وقتها ونتائجها، بينما القيصرية يمكن جدولتها مسبقًا. هذا التنظيم يوفر للطبيب وقتًا وجهدًا ويقلل من المخاطر القانونية إذا حدثت مضاعفات.

تقول الدكتورة منى:

"أحيانًا أجد نفسي أرضخ لرغبة المريضة بالقيصرية خوفًا من أي مساءلة قانونية. العملية مضمونة أكثر من الولادة الطبيعية التي قد تحمل مفاجآت."

 . الولادة كسوق تجاري

المستشفيات الخاصة تجني أرباحًا أكبر من الولادة القيصرية و بجانب عدم توفر البنية التحتية للولادة الطبيعية، ما يشجع المستشفيات للحدد من خيارات الولادة و تبني الولادة القيصرية،الأمر يصبح أحيانًا أشبه بـ"سوق" منظم أكثر من كونه قرارًا طبيًا.

 

تحكي منال (اسم مستعار)، موظفة وأم:

"كنت أحتاج لتحديد موعد يناسب عملي، المستشفى رحبت بالفكرة لأن القيصرية أغلى من الطبيعية.. شعرت أن الجانب المادي لعب دورًا في قرار ولادتي."

. نقص التثقيف وضعف البدائل

قلة برامج التوعية و برامج الاختيار المستنير  حول الولادة الطبيعية تجعلها تبدو أصعب مما هي عليه، كثير من الأمهات لا يعرفن عن تقنيات تخفيف الألم مثل التخدير النصفي أو تمارين التنفس. تقول (ن.ك):

"كنت متحمسة للولادة الطبيعية، لكن في الشهر الثامن نصحني الطبيب بالقيصرية باعتبارها أكثر أمانً, بعد الولادة اكتشفت أنه لم يكن هناك سبب طبي حقيقي، لكن هذا أصبح الخيار السائد."

كما ان هذه البدائل غير متاحة و تكلفتها باهظة مقارنة بالقيصرية ولذلك من أجل تعزيز مبدأ الاختيار المستنير و تقليل نسب الولادات القيصرية لابد ان توضع هذه البدائل في متناول اليد لكي يكون المجال متاحاً لها ويجعل قرار الحد من نسب الولادات القيصرية ليس قراراً ادارياً فقط بل مجتمعي و نابع من الأمهات أصحاب المصلحة.

 

 

 

مقالات اخري

article 1
١٨ أكتوبر ٢٠٢٠
ملاذ بلا عدالة” هل يتجاهل القانون المصري جرائم العنف الجنسي ضد الناجيات السودانيات”
فرضت حرب 15 أبريل 2023  بالخرطوم واقعاً امنياً مختلفاً للنساء السودانيات وجدت آلاف النساء السودانيات أنفسهن مضطرات لعبور الحدود نحو مصر، حاملات معهن ذاكرة الحرب و واقعًا جديدًا لا يقل قسوة عن  الواقع الذي هربن منه،  فمخاطر  العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي لا تعرف الحدود فتلاحقهن حتى في المنفى  بينما تعيق الحواجز الاجتماعية والقانونية […]
قرائة المزيد
article 1
١٨ أكتوبر ٢٠٢٠
الزواج ليس معيارًا: كيف تحولت الحالة الاجتماعية إلى عبء على الفتيات؟
   يطلق المجتمع على الفتيات المتأخرات في الزواج مسمى “العنوسة” ، وهو  تعبير يحمل دلالات سلبية  غير دقيقة، تؤثر نفسياً على الفتيات، رغم ان قيمة الفرد لا تقاس بالزواج بل بإنجازاته و تحقيقه لذاته أبسط الحقوق محاولة تحقيق الذات فالنجاح يقاس بالإنجازات التي يقدمها، ففي هذا العصر مع تقدم المجتمعات أصبحت النساء و  الفتيات تلتفت […]
قرائة المزيد