احنا هنا

٣١ يوليو ٢٠٢٥

الصحفيات في مصر: بين تعسف قوانين العمل الإعلامي وفجوة العدالة في النصوص والممارسات

قامت بكتبتها / فوزية شعراوي

تخضع المؤسسات الإعلامية في معظم الدول ومنها مصر لجملة من القوانين والتشريعات التي تنظم عملها وتحدد التزاماتها المهنية ومنها مصر، ك "قانون تنظيم الصحافة والإعلام رقم 180 لسنة 2018" الذي يعد أحد أبرز القوانين المنظمة لهذا القطاع وتشمل قوانين الصحافة التي تضبط عمل الصحف والمجلات و تعنى بتحديد المسؤوليات القانونية والأخلاقية للعاملين في هذا المجال كما تشمل قوانين البث الإذاعي والتلفزيوني التي تضع المعايير المتعلقة بالمحتوى السمعي والبصري، بالإضافة إلى قوانين الإنترنت والإعلام الرقمي، التي تنظم النشر الإلكتروني والمواقع الإخبارية والمنصات الرقمية.


تهدف هذه الأطر القانونية إلى ضمان توافق المحتوى الإعلامي مع القيم المهنية والأخلاقيات الصحفية، وحماية خصوصية الأفراد، وضمان حرية التعبير


غير أن هذه القوانين لا تطبق بشكل موحد، بل تختلف من دولة إلى أخرى بحسب السياقات الثقافية والاجتماعية، فعلى سبيل المثال، بينما تتبنى بعض الدول قوانين واضحة لمكافحة التمييز داخل المؤسسات الإعلامية، تفتقر دول أخرى إلى آليات تنفيذية فعالة تضمن تطبيق هذه القوانين فعليا، ورغم تعدد هذه القوانين وتنوع أهدافها، إلا أن السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه هو: إلى أي مدى تضمن هذه القوانين العدالة الجنادرية داخل المؤسسات الإعلامية؟ وهل تضيع آليات صريحة لحماية النساء من التمييز والعنف الوظيفي؟ واقع الحال يشير إلى أن الإجابة في كثير من الأحيان، هي النفي.



التمكين الاقتصادي للنساء : بين النصوص القانونية وقيود الواقع


التمكين الاقتصادي للنساء يمثل أحد الأبعاد الأساسية لتحقيق المساواة بين الجنسين ومن خلال تمكين الصحفيات -تحديدا- في غرف الأخبار، يصبح الإعلام أداة حقيقية لتعزيز قيم المساواة ونقل صورة عادلة عن النساء في المجتمع، ويتحقق من خلال تنمية قدرات النساء، وتوسيع نطاق خيارات العمل المتاحة لهن، وزيادة مشاركتهن في سوق العمل، وضمان وصولهن إلى المناصب القيادية، ومنع الممارسات التي تعزز التمييز ضدهن


تواجه الصحفيات المصريات، شأنهن شأن كثير من النساء العاملات في قطاع الإعلام، تحديات مضاعفة لا تقتصر فقط على ضعف الأمان الوظيفي، بل تشمل أنماطا شديدة التنوع من التمييز القائم على النوع الاجتماعي والعنف الرمزي والمادي داخل المؤسسات الإعلامية.


تعاني الكثيرات من التحرش الجنسي في بيئة العمل، ورغم أن قانون العمل المصري ينص بوضوح على تجريم التحرش والتمييز، إلا أن المؤسسات الإعلامية كثيرًا ما تتقاعس عن إنشاء وحدات تحقيق فعالة أو توفير قنوات آمنة لتقديم الشكاوى، ويُقصين بشكل ممنهج من المناصب القيادية والتحريرية المؤثرة، ولا يُسمح لهن بالمشاركة في تغطية الملفات السياسية والاقتصادية، بينما يُدفع بهن إلى زوايا صحفية محددة ترتبط بالقضايا المجتمعية أو النسوية، بشكل يعزز التنميط المهني القائم على النوع.


تتكرر كذلك مظاهر عدم المساواة في الأجور، حتى في حالات أداء نفس عدد ساعات العمل أو تنفيذ نفس المهام التحريرية. تحكي صحفية، رفضت ذكر اسمها، أنها خاضت معركة داخل مؤسستها فقط من أجل الحصول على أجر مساوٍ لزملائها الذكور، رغم أنها كانت تعمل لساعات أطول. في حين تشير صحفية أخرى تُدعى عائشة إلى أنها لم تتعرض لتمييز مباشر في الأجور، لكنها تُقصى مرارًا من الترقيات التحريرية رغم كفاءتها ومهنيتها.



المرأة وسوق العمل في مصر: قراءة في الفجوة الجندرية


بمجرد قراءة سريعة في بيانات سوق العمل المصري، يتضح أن الفجوة الجندرية تظل من أبرز العوائق التي تواجه النساء، لا سيما مع سيادة الأعباء غير مدفوعة الأجر مثل أعمال الرعاية المنزلية، والتي لا تُحتسب ضمن الناتج القومي، ولا تحظى باعتراف قانوني أو اجتماعي. ويُلاحظ أيضًا غياب الدور الفاعل للنقابات الصحفية في دعم تمثيل النساء ومواجهة سياسات الإقصاء المهني.


بلغ معدل مشاركة النساء في قوة العمل 14.9% مقابل 67.4% للرجال، وفقًا لإحصائية الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (النشرة السنوية للقوى العاملة 2023).


أما عن التمثيل النسائي في المناصب القيادية، فتمثل النساء 8.8% فقط من القيادات العليا في الجهاز الإداري للدولة، وفقًا لتقرير منتدى الاقتصاد العالمي (WEF 2023) – الفجوة بين الجنسين.


وبالنسبة لتولي الصحفيات المناصب التحريرية العليا، لا تتعدى نسبة الصحفيات في مواقع رؤساء التحرير أو رؤساء الأقسام 10% في أغلب المؤسسات القومية والخاصة، وذلك بناءً على تقديرات غير رسمية مبنية على مسح نوعي أجرته منظمات مجتمع مدني مثل مؤسسة "المرأة والذاكرة" و"المرأة الجديدة" (2022–2023).



ختامًا: حين تفشل النصوص في حمايتنا


إن واقع النساء في قطاع الإعلام، وفي سوق العمل بشكل أوسع، يكشف بوضوح أن وجود القوانين وحده لا يكفي لضمان العدالة. فالقوانين قد تُسن على الورق، لكنها تبقى عاجزة دون وجود آليات حقيقية للتنفيذ، ومؤسسات رقابية مستقلة، ونقابات مهنية تمثل النساء وتحميهن.


غياب المساءلة، وهيمنة الثقافة الذكورية داخل المؤسسات، وتجاهل احتياجات النساء ومتطلبات العدالة الجندرية، يحول النصوص القانونية إلى شعارات جوفاء. إن تمكين النساء في بيئة العمل الإعلامي لا يمكن أن يتحقق إلا بإعادة النظر في اللوائح الداخلية للمؤسسات، وتفعيل السياسات المناهضة للعنف والتمييز، ووضع آليات للمساءلة والتمثيل المتوازن داخل مواقع اتخاذ القرار. كما تقع مسؤولية كبيرة على عاتق نقابات الصحفيين ومنظمات المجتمع المدني لإطلاق حملات ضغط ومراجعة لهذه السياسات، بما يعزز ثقافة العدالة الجندرية داخل المؤسسات الإعلامية.

مقالات اخري

article 1
١٨ أكتوبر ٢٠٢٠
العدالة الغائبة: نتائج وتوصيات حملة “صحفيات بلا حماية”
في ختام حملتنا “صحفيات بلا حماية”، التي نفذتها مبادرة جندريست بالتعاون  مع مؤسسة تدوين لدراسات النوع الاجتماعي، يهدف هذا المقال إلى تلخيص النتائج وتقديم توصيات للتغيير نضع أمامكم النتائج التي كشفتها سلسلة المواد الصحفية التي سلطت الضوء على واقع النساء في المهنة، من خلال رصد بيانات دقيقة، وتحليل لأوجه التمييز والعنف والتهميش الذي تتعرض له […]
قرائة المزيد
article 1
١٨ أكتوبر ٢٠٢٠
الصحفيات في مواجهة العنف الرقمى : “حقهن في الحرية والتعبير و فضاء إلكترونى آمن”
 أثرت ثورة التكنولوجيا وتوسيع فضاءات التواصل الاجتماعي بشكل كبير على شتى المجالات و برز دورها بشكل ملحوظ مما دفع العديد من القطاعات لمواكبة هذا التطور التكنولوجي،  وأصبح من الضروري استيعاب هذه المستجدات، لما لها من دور في تحقيق الأهداف والغايات التي تسعى إليها هذه المجالات.  لم يتوقف تأثر  المجال الإعلامي  عند هذا الحد، بل يعد […]
قرائة المزيد