تُعد التربية الرياضية ركيزةً أساسيةً لا غنى عنها في بناء شخصية الطلاب والطالبات، جسديًا ونفسيًا واجتماعيًا. فهي لا تُعنى فقط بتحسين اللياقة البدنية، بل تغرس أيضًا قيماً نبيلة كروح الفريق، والانضباط والقيادة والمشاركة. لكن الواقع في بعض المدارس المصرية، لا سيما في محافظة أسوان، يكشف عن وضع سائد تتجاهل فيه حق الفتيات في ممارسة الرياضة، ويستحق التوقف عند هذا التهميش المتعمد.
حيث تحرم الطالبات من حصص التربية الرياضية في مدارس البنات، و في كثير من المدارس المشتركة، كثيرًا ما تُخصَّص حصة الألعاب للذكور فقط، حيث ينزل الأولاد إلى الملعب ليلعبوا كرة القدم، بينما تُستبعد البنات من المشاركة في أي نشاط رياضي فعلي، ويُطلب منهن أحيانًا فقط جمع الأوراق أو الجلوس على الهامش دون ممارسة تُذكر، وغياب أي دوريات أو أنشطة رياضية تنافسية مخصصة لهن.
رغم أن النظام التعليمي يقر رسميًا بأهمية التربية البدنية، إلا أن ما يحدث على أرض الواقع في مدارس البنات يتناقض مع ذلك تمامًا حيث تُلغى الحصص الرياضية في كثير من الأحيان، أو تستبدل بمواد أخري تحت ذريعة" الأولوية للتحصيل الدراسي"، فيُنظر إليها ك ترفيه غير ضروري، دون تخصيص أنشطة رياضية حقيقية أو تنظيم مسابقات بين الطالبات.
"غالبًا ما تكون حصة واحدة في الأسبوع، وإن وُجدت، فغالبًا تُؤخذ من قِبل معلمي المواد الأخرى"، تقول مي محمد، طالبة بالصف الأول الإعدادي. وتضيف زميلتها تسبيح شعبان: "نذهب أحيانًا إلى الملعب دون وجود أنشطة حقيقية، فقط نتحرك عشوائيًا، أو نبقى في الفصل".
أما الطالبات في المرحلة الابتدائية فليس وضعهن بأفضل توضح هنا صابر، في الصف الرابع: "لدينا حصة واحدة في الأسبوع، وغالبًا ما نقضيها في الفصل، لا مسابقات ولا تمارين فعلية". وتُضيف تاليا: "في البداية كان هناك أنشطة خفيفة، لكنها لم تستمر، وغالبًا ما تُلغى الحصص بسبب ضغط المواد الأخرى"
تشير نها نبيل، معلمة تربية رياضية بإحدى المدارس الابتدائية، إلى أن المشكلة تتجاوز حدود نقص الموارد والوقت، لتتعلق بالتوجهات الثقافية والمؤسسية التى تُهمّش الرياضة للفتيات. تقول: "للأسف، الإدارات المدرسية لا تعطي أهمية تُذكر للرياضة النسائية، ويرون الرياضة وكأنها تعني كرة القدم فقط، وهي حكر على الأولاد".
وتضيف: "هناك ألعاب رياضية تخصصها فقط المدارس للفتيات مثل الجمباز، الكرة الطائرة، أو كرة السلة، و أيضا تلك لكن لا يتم توفيرها، ولا يُخصص لها أي دعم أو دوري مسابقات".
من جهتها، تؤكد الأستاذة ش.م، مدرسة لياقة بدنية في مدرسة إعدادية للفتيات، أن "الرياضة للفتيات غير مفعّلة من الأساس. الحصص لا تُعتبر إلزامية، ولا توجد جهة مختصة تتابع أو تحاسب على تفعيلها. الفتيات محرومات من التمارين الأساسية، ولا يوجد دوري أو منافسات تشجعهن"
لا يقتصر تأثير غياب النشاط الرياضي على الجسد فحسب، بل يمتد ليشمل الصحة النفسية والاجتماعية. فقلة ممارسة الرياضة في سن مبكرة قد يُفضي إلى مشاكل صحية مزمنة مثل السمنة، ضعف اللياقة، أو أمراض أخري كارتفاع ضغط الدم والسكري. تؤكد الأستاذة نها: "الرياضة من أهم الوسائل لحماية الفتيات من أمراض العصر، وتعزيز المناعة".
إلى جانب الآثار الصحية، تشير العديد من الدراسات التربوية إلى أن غياب الأنشطة الرياضية له أثر سلبي على نفسية الطالبات، ويُضعف من قدراتهن على التفاعل الاجتماعي، ويُفقدهن الإحساس بالانتماء وروح الفريق، ويُعمّق شعور التهميش، خاصة إذا ما استمرت الفجوة بين الجنسين في المجال الرياضي.
لمعالجة هذا الواقع التمييزي، نحتاج إلي تبني مجموعة من الحلول والاستراتيجيات الجادة والمستدامة. من بينها، فرض تطبيق حصة التربية الرياضية بشكل فعلي، ومنع استبدالها بأي مواد أكاديمية أخرى. كما يُعد إنشاء دوريات مدرسية مخصصة للفتيات، تتنوع فيها الرياضات، خطوة هامة، شرط عدم حصر الفتيات في الألعاب التقليدية والنمطية ككرة السلة وتنس الطاولة، بل العمل على تمكينهن من ممارسة الرياضات التى تتوافق مع اهتماماتهن وطاقاتهن، دون تمييز أو قيد.
تُعد تدريب المعلمات وتوفير كوادر مؤهلة للإشراف على الأنشطة والبرامج الرياضية للفتيات، وتوفير ودعم المدارس بالمعدات والتجهيزات الرياضية الضرورية، من الخطوات الأساسية لبناء بيئة داعمة. ومع تنظيم مسابقات وجوائز على مستوى المدارس والمراكز التعليمية، يُمكن تحفيز الطالبات على المشاركة بفاعلية وإيجابية
"العقل السليم في الجسم السليم" ليست مجرد عبارة نرددها، بل مبدأ يجب أن نُطبقه فعليًا والحق في ممارسة الرياضة حقٌ أصيل لا يقل أهمية عن الحق في التعليم.
إن مستقبل بناتنا يتطلب بيئة مدرسية متوازنة تُعطي أهمية لكل جوانب النمو، وتشجع على اكتشاف وتطوير قدراتهن الرياضية والاجتماعية. فلنسأل أنفسنا بجدية: هل نريد أجيالًا قوية، واثقة، صحية ونكسر حواجز التمييز والتجاهل أمام تحقيق ذلك؟؟ إذا كانت الإجابة نعم، فالرياضة هي نقطة الانطلاق.