احنا هنا

٣١ ديسمبر ٢٠٢٤

الابتزاز الالكتروني : عنف رقمى يهدد حياة النساء من وراء الشاشة

قامت بكتبتها / صابرين صلاح

في عصر التكنولوجيا المتقدمة و وسائل التواصل الاجتماعي، يُعدّ الابتزاز الإلكتروني أحد أخطر التحديات والجرائم التي تواجه النساء والفتيات يتمثل هذا الابتزاز في تهديد حياة النساء بنشر معلومات حساسة أو صور أو مقاطع فيديو شخصية، في حال لم تخضع الناجية \ الضحية لتهديدات المعتدى، وغالبًا ما تكون هذه التهديدات بغرض الابتزاز للحصول على مكاسب مادية أو جنسية، أوبالضغط عليها للتنازل عن حقها في اتخاذ قراراتها بحرية وفي حالة عدم الامتثال، قد تواجه تهديدات بالعنف أو بالضغط عليها اجتماعيًا او ما يعرف "بالفضيحة".


 تخلق هذه الجريمة واقعًا مُرعبًا للنساء، حيث يُستغل خوفهن من الإبلاغ بسبب الخشية من التعرض للعنف أو الوصم الاجتماعي في كثيرمن الأحيان، يُحمِّل المجتمع النساء مسؤولية ما يحدث لهن، مغمضًا عينيه عن معاقبة الجناة وردعهم ومحاسبتهم على أفعالهم، مما يعزز ثقافة الإفلات من العقاب ويساهم في تطبيع العنف ضد النساء.


تُعد مشكلة الابتزاز الإلكتروني في المجتمع الأسواني خاصةً خطراً جسيماً، حيث تُعيق النساء عن ممارسة حياتهن اليومية بشكل طبيعى آمن وتُعرقل تطورهن المهني والاجتماعي. ويزيد من حدة هذه المشكلة الطبيعة القبلية للمجتمع، حيث تكون العائلات على معرفة واسعة ببعضها البعض، مما يجعل الوصم الاجتماعي للفتيات أمراً سهلاً ومؤثراً، حتى إذا كانت الاتهامات الموجهة لهن مبنية على الأكاذيب وضلالات.


بالإضافة إلى ذلك، يُعاني المجتمع من نقص الوعي لدى الأهالي حول كيفية التعامل مع حالات الابتزاز، وعدم معرفتهم بالوسائل المتاحة لدعم الضحايا ومساندتهن.


لقد أصدر المجلس القومي للمرأة إحصائية تفيد بأن إجمالي شكاوى العنف التي استقبلها خلال عام 2023 بلغ 26053 شكوى  من بين هذه الشكاوى، تم تسجيل 106 تتعلق بالعنف المرتبط بتقنية المعلومات، و165 شكوى تتعلق بنشر معلومات أو أخبار خاصة تم ربطها بمحتوى يتعارض مع الآداب العامة أو تمس بشرف الأفراد. كما وُثقت 39 شكوى تتعلق بجرائم التزوير والفبركة، و42 شكوى عن جرائم الاختراق بالإضافة إلى ذلك، تم تسجيل 161 شكوى تتعلق باستخدام التكنولوجيا في جرائم شائعة.


في ظل هذه الإحصائيات المقلقة، يبرز الابتزاز الإلكتروني كواحد من أخطر الجرائم الرقمية انتشارًا، حيث يُستهدف النساء والفتيات بشكل رئيسي، ويتسبب في حالات من الخوف والقلق، وقد يؤدي في بعض الحالات إلى الانتحار. يقوم المعتدون باختراق الأجهزة الإلكترونية مثل الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر لجمع صور أو مقاطع فيديو شخصية بشكل غير قانوني، سواء عبر القرصنة أو من خلال استغلال الثقة في علاقات سابقة. وفي أحيان أخرى، تُصوَّر النساء في الأماكن العامة دون علمهن أو موافقتهن، ثم تُستخدم هذه الصور لتهديدهن وترويعهن عبر المنصات مثل تيليجرام


تتعدد الدوافع وراء هذه الجرائم، لكن الهدف غالباً هو ابتزاز النساء للحصول على مكاسب غير مشروعة، سواء بالضغط لإقامة علاقة غير رضائية أو للحصول على أموال ورغم اختلاف السيناريوهات، فإن العنصر الأساسي في هذه الجرائم يتمثل في الحصول على صور خاصة للضحايا، واستخدام هذه الصور كسلاح لفرض سيطرة غير مشروعة عليهن.


يترك الابتزاز الإلكتروني آثارًا نفسية واجتماعية مدمرة على النساء والفتيات، حيث يسهم في تفكك الأسرة نتيجة لغياب التفهم من الأهل أو الزوج لطبيعة المشكلة والخوف من المجتمع وتنقلب الآية ويتم إلقاء الذنب واللوم علي الفتاة الناجية و يُسمح للجاني بالإفلات من العقاب، كما أن عند اكتشاف أن الفتاة وقعت ضحية للابتزاز، قد تنشأ اتهامات متبادلة تؤدي إلى صراعات أسرية تهدد استقرارها النفسي وتزيد من الضغط على الضحية.


 بالإضافة إلى ذلك، يمكن للتشهير والتهديد المستمر أن يدمر حياتهن الشخصية، ويدفعهن للعزلة، ويعرضهن للوصم الاجتماعي، مما يفاقم احتمالات الإصابة بالأمراض النفسية والعضوية الناتجة عن مشاعر الخوف والترهيب و غالبًا ما تقع النساء ضحايا لهذه الممارسات الضارة بسبب نقص الوعي بحقوقهن والخوف من نظرة المجتمع، الذي يمارس ضدهن أشكالًا متعددة من القمع والعنف


من أبرز مظاهر هذا القمع هو "التجاهل"، الذي يُعتبر حلاً غير فعّال في كثير من الأحيان، خاصة عندما يتعلّق الأمر بالابتزاز عبر الإنترنت أو بوجود محتوى ضار يمس الضحية  في هذه الحالات، يكون من الأفضل الإبلاغ عن المبتز، إذ إن المعتدى غالبًا ما يكون جبانًا يدرك خطورة أفعاله، لذلك، لا يجب أن تخشى النساء مواجهته أو رفض مطالبه.


ويعدّ الخوف من ردود الفعل العائلية من أهم الأسباب التي تؤدي إلى تفاقم مشكلة الابتزاز، خصوصًا في البيئات الاجتماعية التي تُصنِّف نفسها على أنها "محافظة"  في نقاشات حول هذا الموضوع، أفادت إحدى الفتيات في حديثها مع جندريست : بأن خوف النساء من إبلاغ أهلهن يعود إلى المعتقدات التي تنظر إلى هذه المواقف باعتبارها "عيبًا"، كما أوضحت أخرى أن بعض الأسر تُبالغ في معاقبة بناتهن دون فهم الوضع، مما يدفع الفتيات إلى الصمت بدلاً من طلب المساعدة.


وعبرت فتيات أخريات عن قلقهن من فقدان حقوقهن الأساسية مثل استخدام الهاتف أو الخروج لممارسة حياتهن اليومية أو حتى الذهاب إلى العمل، خشية أن يؤدي إبلاغ الأهل عن الجريمة إلى فرض قيود اجتماعية إضافية عليهن ،  وأكدت إحداهن أن الخوف المستمر قد يؤدي إلى تصاعد الابتزاز وزيادة استغلال الضحية/الناجية، وربما يدفع الضحية/الناجية إلى الاستسلام للوضع، مما يؤثر على ثقتها بنفسها ويفتح المجال لاستغلالها من قبل آخرين.


وأكدت المهندسة آية سيد الشريف، بوحدة الدعم التقني بمؤسسة "جنوبية حرة"، أن الفتاة التي تتعرض لأي نوع من الابتزاز يجب أن ترفض الخضوع لطلبات المبتز، خاصة إذا كانت تتعلق بالمال أو الصور وفي حال وقوع حادثة تشهير، تنصح بعدم إغلاق الحساب فورًا، بل الإسراع بالإبلاغ عن الحادثة وأشارت إلى أن الصور المنشورة على منصات مثل فيسبوك أو إنستجرام يمكن حذفها، وفي حال تفاقم المشكلة، يُفضل الاستعانة بأخصائيين في الدعم التقني لحلها.


وعلى الرغم من وجود عقوبات قانونية ضد الابتزاز الإلكتروني، كما تنص عليه المواد 26 و327 من قانون العقوبات المصري بالسجن وغرامة، إلا أن التوعية بخطورة هذه الجرائم تظل ضرورية، حيث يمكن أن تسهم في حماية النساء والفتيات من الاستغلال والتهديد، والتشديد على أهمية حماية بياناتهن الشخصية وتجنب مشاركة أي محتوى خاص قد يُستغل لاحقاً، فضلاً عن تشجيع الضحايا على الإبلاغ عن تلك الجرائم دون خوف من الفضيحة أو الانتقام.


و الخطوة الأولى نحو تقديم الدعم للنساء والفتيات اللواتي قد يتعرضن للابتزاز الإلكتروني تبدأ ببناء علاقة قوية قائمة على الثقة بين الأهالي وبناتهن، مما يتيح خلق بيئة آمنة تشعر فيها الفتيات بالراحة للتحدث عن مشكلاتهن دون خوف أو تردد.


 إلى جانب ذلك، من الضروري تعزيز الوعي بالأمان الإلكتروني من خلال اتخاذ تدابير وقائية فعّالة، مثل ربط حسابات التواصل الاجتماعي بالبريد الإلكتروني الشخصي لتأمينها بشكل أفضل، ومراجعة التطبيقات المثبتة على الهواتف الذكية وحذف غير المستخدمة منها لتقليل مخاطر الاختراق، بالإضافة إلى التأكد من ضبط إعدادات الخصوصية على الحسابات الرقمية لحماية البيانات الشخصية من الوصول غير المصرح به.


 تعزيز هذه الجوانب يسهم في تقليل مخاطر الابتزاز الإلكتروني ويضمن بيئة داعمة تساعد الفتيات على مواجهة أي تهديدات بثقة وأمان.

مقالات اخري

article 1
١٨ أكتوبر ٢٠٢٠
المقال الختامي لحملة ” أجسادنا…. قراراتنا “
مع انتهاء حملة “أجسادنا قراراتنا” التي أطلقناها ضمن فعاليات حملة الـ16 يومًا لمناهضة العنف القائم ضد النساء، والتي امتدت من 25 نوفمبر حتى 10 ديسمبر، سعينا من خلال حملتنا إلى إعلاء صوت النساء في المطالبة بحقوقهن الجنسية والإنجابية باعتبارها حقًا أساسيًا للنساء، وكركيزة جوهرية لتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة بين الجنسين، والتأكيد على أن هذه الحقوق […]
قرائة المزيد
article 1
١٨ أكتوبر ٢٠٢٠
ندوب غير مرئية: كيف يؤثر التحرش على حياة النساء والفتيات
أنا مليكة، عمري 20 عامًا (اسم مستعار). سمعت كثيرًا عن جريمة التحرش، وأدركت أن هناك العديد من أنواعه، ليس فقط التحرش الجسدي، بل أيضًا التحرش اللفظي الذي يُعدّ جريمة. كانت وقائع التحرش تحدث للعديد من زميلاتي، سواء من المعارف أو من المقربين. وبسبب هذه الحكايات الكثيرة، أصبحت قادرة على تقديم الدعم النفسي لصديقاتي في أي […]
قرائة المزيد