”أنا نفسي اعرف أيه الجـريمة اللي عملتها عشان أتعاقب عليها من المجتمع كله و أولهم اهلي، أذنبت في ايه إني أتجوزت وماتوفقتش في حياتي واتطلقت؟ ليه أفضل منبوذة من الصحاب عشان خايفة أخـطـف منها جوزها؟ مضطهدة من أهلي مفيش خروج و لا دخول عشان انتي بقيتي مطلقة! اللي يشوفني و يتعامل معايا بعجِبه و أول ما يعرف إني مطلقة الإعجاب يروح و يرفضني و ينسى إن اللي عجبه فيا لسه موجود!“
ذُكرت تلك الكلمات على لسان إحدى الشخصيات بالعمل الدرامي (دنيا تانية) والتي أوضحت بكلمات موجزة معاناة كل مطلقة في هذا المجتمع من نبذ واضطهاد واستهانة.
تواجه السيدات المطلقات تحديات كبيرة بسبب نظرة المجتمع لها، فشريحة كبيرة من المجتمع تتهم المرأة المطلقة وتنعتها بالسيئة؛ فهي في نظرهم قد خالفت القاعدة المعروفة بينهم، والتي محتواها "الست من بيت جوزها لقبرها" على الرغم من أن الطلاق محلل شرعًا في حالة صعوبة استمرارية الحياة بين الطرفين.
كما يرى البعض أن المطلقة هي أشبه ببضاعة مستعملة، مما يجعل كثير من السيدات التي لم تقدر على العيش مع شخص ما تفكر ألف مرة قبل اتخاذ هذا القرار _رُغم كونه حق من حقوقها_ خوفًا من مثل هذه الكلمات الجارحة.
كشف اللواء خيرت بركات، رئيس الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء في مداخلة هاتفية لبرنامج التاسعه للإعلامي الراحل وائل الابراشي أنه بالنسبة لحالات الطلاق، فإن آخر إحصائية 225 ألف حالة فى 2019 مقابل 201 ألف حالة فى 2018، وأوضح أن هناك 24 حالة طلاق مقابل كل 100 حالة زواج يوميا تقع فى مصر.
يمكننا تحجيم رؤية المجتمع للمطلقات في بضعة صور نمطية ترسخت في العقول على مر الأزمنة، فهناك من يراها سهلة المنال بخسة الثمن، وهناك من يراها تتلهف للزواج مرةً أخرى حتى وإن كان بطرق ملتوية ومن أزواجٍ لأخريات؛ لتحسين موقفها الاجتماعي الذي يعده الكثير وصمًا بالفشل في تسيير الحياة الزوجية، ومنهم من يراها بقايا غير صالحة للاستعمال _لا سيما من المستخدمين الجدد_ كالبضاعة المعطوبة.
ولا تقتصر أزمة المطلقات على ما ذكرناه آنفًا، بل تمتد لتشمل بضعة نقاط أخرى، كسقوط حضانة الأطفال عنها عند الزواج مرةً أخرى.
أطلقت مؤسسة قضايا المرأة المصرية حملة لصون حقوق النساء والأطفال في عام 2018 تحت عنوان "جوازي ميمنعش حضانتي لأولادي" والتي تهدف إلى تغيير الوضع القانوني والقضائي الحالي من إسقاط حضانة المرأة لأطفالها عند زواجها من آخر، مما يجعل العديد من النساء ترفض التفكير في حق الزواج كي لا يتم إبعاد أبنائها عنها، وهو ما لا يشكل أزمة للأب لأن له حق الاحتفاظ بحضانة الأبناء حتى في حالة زواجه، الأمر الذي يكرس نوعًا من انعدام العدل والمساواة بين الطرفين مولدًا الكراهية والمشكلات بين الطرفين دون الالتفات للأبناء.
والجدير بالذكر أن مكاتب التسوية رصدت مأساة 963 زوجة خلال عام 2019، لم يستطعن استخدام حقهن الطبيعى فى الزواج خشية نزع أبنائهن من أحضانهن، فاضطررن للجوء إلى الزواج العرفى كبديل، بحثًا عن حلم الاستقرار الأسرى برفقة زوج.
وإن كان بمقدورنا التغيير في شيء ما، فهو بلا شك سيكون تغييرًا في النظرة الاجتماعية للمطلقة كمسكينة ضعيفة تستحق الشفقة، وتبديلها بأخرى أكثر واقعية لامرأة قوية لم تحصر نفسها بين كلمات ونظرات مجحفة ترغب في إسكاتها للبقاء في كنف رجل لا تبقى على العيش معه، فهي استطاعت أن تتخذ قرارها وتحسم حياتها، قابلة بكل ما تعلم يقينًا أنه سيواجهها في مضمار الطلاق وما يليه من عقبات الحياة التي تسعى لعرقلتها.