احنا هنا

٢٧ يناير ٢٠٢١

حيقولوا أخته

قامت بكتبتها / أميرة سلطان
"لو معملش عليكوا راجل حيعمل على مين؟" "معليش انتوا اخواته تستحملوه" "يعني مبيشوفش اخوات صحابه وهما يشوفوكم وعاوزينه يسكت!"
جمل لعلها من الجمل الأكثر ترددا وشيوعا داخل البيوت المصرية، تجري على ألسنة الآباء والأمهات كما تجري أسماء أبنائهم وبناتهم عليها، قد تكمن خلفها نوايا طيبة ومقاصد خيرة، حيث من جهة يرون أنه من المجحف والمؤثر سلبا على شخصية الذكر ومكانته ألا تؤخذ بالاعتبار كلمته ولو كان الأصغر سنا بين أخواته، ومن جهة أخرى فإن تحقيق أوامره وتنفيذ رغباته والالتزام بتطلعاته ورؤاه فيما يخص أخواته الإناث وتعاملاتهن ومظهرهن لن يكلفهن شيئا ومن اليسير عليهن تطبيقه، بل لعلهن راغبات في ذلك ومحبب لهن بغية تعزيز ثقة أخيهن في نفسه وإثبات قوة موقفه أمام غيره.
هذه هي الصورة في أذهان كثير من الأولياء ولعل الأمرّ في الأمر أن الوليات كذلك مشتركات في رسم هذه الصورة والعمل بمقتضاها، هذا فضلًا عن أن الإخوة من الذكور لا يهدفون لشيء كما لمصلحة أخواتهم وحمايتهن، فما يبدر عنهم من منع أو ردع أو تعليق أو انتقاد إنما هو نابع عن حرص وغيرة لا عن حب للسيطرة أو فرض للرأي "لا سمح الله"، فالذكور وحدهم من يرون ويسمعون ما يقال عن الإناث "اللي لابسين محزق وملزق" أو "اللي ضحكهم مسرسع بيجيب آخر الشارع" من قبل ذكور المنطقة، كما ويعرفون نظرة بعضهم لهؤلاء الإناث، فهي إما نظرة طمع وإما نظرة احتقار، وإن كانت هذه او تلك فإن الأخ يأبى وتأبى "نخوته" و "مروءته" أن ينظر لأخته مثل هذه النظرة، كما والأهم من هذه وتلك أن المشترك بينهما نظرة سخرية وانتقاص لذكر العائلة و"رجلها" السامح بهذا الانحلال الصادر عن إخوته الساكت عليه، أينه من الأخلاق والشيم وأين كلمته من النفاد والالتزام؟
هكذا وبكل بساطة ويسر تتحول قضية تخص المرأة بالمنزلة الأولى إلى قضية "رجل" و "رجولة" ودين ومجتمع، بل إلى قضية رأي عام، فيغدو مظهر شخص وزيه وسلوكه مناطا بجدل وضجة كالتي تنوط تعديل قانون أو تغيير وزير، ناهيك عن أن الطرف الأساسي وبطل الرواية ومحورها والذي تدور حوله القضية بأسرها هو آخر المتحدثين إن سمح له بالحديث، وآخر المدلين بآرائهم إن منح إذن الإدلاء.
قضية جامدة تعج النقاشات حولها بالوقائع والأرقام، فتغدو أشبه بقضية تسعير كيلو "اللحمة" أو فرض ضريبة الخدمة، لا التفات فيها إلى إحساس ولا وزن معها لشعور، ربما منظورها الإنساني الوحيد تمثل في مراعاة شعور الذكر والحرص على تجنب "كسر كلمته" لئلا تضعف شخصيته أو يشعر بانعدام وزن رأيه ومن ثم أهمية مكانته. كلام لا يخلو من منطق ورأي لا يفتقر إلى شيء من وجاهة، لكن ماذا عن جانب آخر أهم وأخطر ولعله أدعى للنظر والتأمل فيما يخص الجانب النفسي، وهو الخاص بالأنثى ذاتها، فرغم تعدد المناظير والمحاور التي يمكن من خلالها دحض السابق من الآراء ومقولات كالسياسي والاجتماعي والاقتصادي وحتى على مستوى الأسرة وتكوينها، أرى أن الجانب الإنساني والعاطفي وحده قد يغني ويقيم الحجة، ليس عن تقليل من أهمية باقي المحاور ولكن لتعدد المتكلمين بها وفيها، فلنمسك نحن طرفا لخيط جديد ونتتبعه منفردا بذاته، لعلنا نصل معه لشيء لم يصل له المتكلمون بما سبق.
ما رأي المعتنقين للرأي السابق المشفقين من خدش اعتزاز ابنهم بنفسه واعتداده بها في فكرة تدميرهم لثقة ابنتهم في نفسها واختياراتها وقراراتها؟، ما قولهم في بغضها لمظهرها وشعورها بالازدواجية والنفاق؟ ما تبريرهم لانعدام إحساسها بالأمان والدعم من قبَل المصدر الأساسي لهما، حيث أن منحهم إياها هذا وذاك متوقفان على مدى التزامها بالمقاييس النموذجية ومشابهتها للنموذج المثالي في أعينهم ومنطقهم، وحتما لا نحتاج إلى التذكير بأن كل دعم مشروط ليس بدعم وكل أمان مشروط ليس بأمان، ناهيك عن استشفافها لحقيقة انعدام تقبلها كما هي بل إن التقبل مشروط كسابقَيه بالتزام القالب المختار، وفوق هذا وذاك شعور بالدونية وانعدام الأهمية مقارنة بالأخ الذكر صاحب الألف حساب لشعوره والألف الآخر لثقته بنفسه وشكله بين أترابه، فمن لا قيمة له ولا وزن في أعين محيطه الأقرب من الصعب أن يكون له قيمة أو وزن في عين نفسه.
حسن النية لا يصلح فساد العمل، قاعدة دينية قبل كونها منطقية، كرد على مقيدي الحريات باسم الدين والمدعين للإصلاح العام وتقويم السلوك الجماعي، ورغم أن الحديث من منطلق الدين قد لا يناسب الجميع بحكم اختلاف العقائد وتباين المعتنقات، إلا أن أمثل رد على مدعي التدين والداعين له هنا فكرة أن "لكم دينكم ولي دين" وفكرة أن لا أحد سيحاسب عن أحد، كما فكرة أن مسؤوليته عن بناته وسلوكهن واختياراتهن مسؤولية مؤقتة بسن معين تنتهي فيه الفتاة لرشد كاف مؤهل لاختيار حر مسؤول تتحمل هي عواقبه ولا يسأل عنه غيرها، لها عليه النصيحة في أسوأ الحالات كما قد يرى ليس إلا، فالله الذي تؤمنون به وتتحدثون باسمه أعدل من أن يأخذ أحدا بذنب أحد ولو كان من نسله، فما لفرد على آخر حكم مطلق ولو كانا وليًّا ومتوَّلى، حتى أن للولاية في عرف القانون سن تنتهي ببلوغه وتبطل بعده.
وعودة للمنطلق النفسي الذي استهللنا به الحجة وحصرنا به الحديث، فإن سلب الفتاة حرية بسيطة متمثلة في اختيار ما يناسبها من سلوك ومظهر عامين، يؤثر لا محالة على قدرتها العامة على اتخاذ القرارات الشخصية والحسم إزائها وملازمة الشعور بالتردد كما بعدم الكفاءة المؤهلة للاستقلالية المطلقة بخصوص القرارات والاختيارات على المدى البعيد.
كما أن وضعها على أولى درجات التضحية في سبيل رضا المحيط يدفعها بقوة لصعود السلم يوما بعد يوم لتتحول من أخت مضحية ببعض الحريات لأجل أخيها، إلى زوج ثم أم لا تنفك تتابع مسيرة تضحياتها بل وتراها قد تحولت لواجبات تسائل نفسها عنها ويسائلها المحيط، وأين هي من كل هذا وأين ما لها عليها وعلى الناس؟ لم تسمع بمثل هذا من قبل ولا دراية لها بأبسط حقوقها أو إدراك.
نقطة أخرى أخيرة هي بذر البذور الأولى للتبعية والارتباط المطلَق بذكر وتمثيلها إياه في القول والفعل، فجزء من إشفاق المشفق من أولياء وإخوة يتمثل في تمثيلها إياهم كما سبق وذكرنا، إذًا تجنيبها سلكَ سلوك مشين في نظرهم يبرَّر فيما يبرَّر به بالحفاظ على "سمعتهم" ومنظرهم العام، إذا وعلى سبيل الاستنتاج المنطقي: المرأة لا تبلغ من الأهمية ما يؤهلها لتمثيل نفسها ولا تبلغ من مقادير العقل والرشد ما يكفيان لجعلها مسؤولة عن سلوكها في المقام الأول والأخير، فهي بنت هذا وأخت ذاك وعليهما كبح جماحها والتأكد المستمر من التزامها المُثل والأخلاق حتى لا يلامان إزاء "تسيبها" و"انحلالها"!. معاملة أشبه بمعاملة طفل ووليه أو مجنون ومسؤول عنه لا فرد عاقل سليم راشد مسؤول، كافية مسؤوليته ليسأل عن نفسه وعن ما يرتكب من أخطاء في عين الناس والمجتمع.
أبعاد لعلها أقل شيوعا من غيرها فيما يخص قضية حرية المرأة في اختيار مظهرها وسلوكها، لكن ذلك لا يقلل من أهميتها في شيء، علينا إذا كمجتمع وأفراد أولياء منهم ومتولين أن نعيد التفكير قبل إجبار فتاة على ارتداء حجاب أو دفع أخرى لاستبدال البنطال بتنورة، فالأمر أعمق تأثيرا وأبلغ أثرا مما قد يبدو عليه.

مقالات اخري

article 1
١٨ أكتوبر ٢٠٢٠
اختيار النساء لشريك الحياة (حق خاضع للقيد)
“كنتُ أحلم بأن أعيش حياة سعيدة مع هذا الشخص الذي اختاره قلبي، ورسمتُ معه الآمال. لكن الآن، ماتت أحلامي، وأصبحتُ شاحبة الوجه، ولم أعد أفكر في كيفية اتخاذ أي قرار؛ فأصبح كل ما ينطقه لساني هو “حاضر” و”نعم”. أصبتُ بحزن دائم، وأصبحتُ عاجزة، وحتى ابتسامتي على وجهي كاذبة.” هكذا وصفت إحدى النساء شعورها بعد أن […]
قرائة المزيد
article 1
١٨ أكتوبر ٢٠٢٠
في ظل التهميش والتمييز: نظرة على واقع حقوق الصحة الإنجابية والجنسية للنساء والفتيات بمصر
تُعتبر الصحة الإنجابية والجنسية من أهم الجوانب التي تؤثر على حياة النساء، وخاصة الأمهات، سواء على المستوى الجسدي أو النفسي أو الاجتماعي. تعني الصحة الإنجابية توفير الظروف والبيئة الملائمة للنساء لتحقيق حمل صحي وآمن، كما تؤثر الصحة الإنجابية بشكل مباشر على الصحة الجسدية والنفسية للأم. تساعد الرعاية الصحية قبل وأثناء وبعد الحمل في الكشف المبكر […]
قرائة المزيد