احنا هنا

٢١ ديسمبر ٢٠٢٥

النجاح المهني مقابل القبول الاجتماعي: معركة النساء المستقلات في مصر

قامت بكتبتها / منة متولي - محمد بركات

تعيش النساء في عالم تتقاطع فيه المسؤوليات اليومية مع القيود المجتمعية، وتتداخل فيه رغبتها في الاستقلال مع نظرات الشك والاتهام. وبينما تسير مجتمعات كثيرة نحو الاعتراف بحقوق النساء وتمكينهم اقتصادياً واجتماعياً، ما تزال أنماط التفكير القديمة تحاصر آلاف النساء؛ فتصف العاملة بالطمع، والمستقلة بالأنانية، والطموحة بالتمرّد على "الدور الطبيعي"


ومع ذلك، تُولد من قلب التجارب القاسية حكايات تُعيد تعريف القوة الأنثوية من جديد؛ نساء اخترن مواجهة الحياة دون قناع، ورفضن أن يكنّ مجرد ظلّ في بيت أو رقم في مجتمع. نساء صمدن أمام الفقد والضغوط، وبنين حيواتهنّ من الصفر، وتحملن أدواراً مركّبة بين الأمومة والعمل والقيادة والمسؤولية.


هذا المقال يتناول-من منظور نسوي نقدي-رحلة النساء المستقلات مادياً، ويُبرز إحدى القصص الواقعية التي تلخص حجم التضحية والصمود حين تُجبَر فتاة شابة على حمل عبء أسرة كاملة، ثم مواجهة مجتمع لا يرى من كل إنجازاتها سوى أنها "تشبه الرجال". كما يحلل الضغوط التي تواجهها الأمهات العاملات اليوم، والاتهامات التي تُرمى عليهن ظلماً رغم أن استقلالهن في كثير من الأحيان هو صمام أمان للأسرة وليس تهديداً لها.


ومن خلال المصادر والأبحاث نوضح لكم احصائيات عن النساء المستقلات ماديا و معدل مشاركة النساء في القوى العاملة (مصر، 2023) أن حوالى 18% من النساء في الفئة العمرية العاملة كن مشاركات في السوق (إما موظفات أو باحثات عن عمل) في 2023. Economic Research Forum (ERF)


وتوضح تقارير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء ومؤسسات وطنية تذكر أن الإناث تمثل نحو 15% من المستخدمين الإجماليّين وفي بعض نشرات القوى العاملة حوالي 17% من إجمالي القوى العاملة. (هذه نسبة على مستوى البلاد، وتظهر في النشرات السنوية ومسودات مراجعات وطنية)


تعتبر بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (CAPMAS) هي المصدر الرسمي الأهم في مصر وفي هذا الجدول توضيح النسب التقريبية لمساهمة المرأة العاملة في قوة العمل :












































المؤشر النسبة التقريبية التاريخ (المرجع) المصدر
مساهمة المرأة في قوة العمل (15 سنة فأكثر) 14.9% 2022 الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء
معدل البطالة للإناث 18.4% 2022 الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء
نسبة الإناث اللاتي لا يبحثن عن فرصة عمل (من الإناث في سن العمل) 83.4% الربع الأول 2024 الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء
عدد الأسر التي تُعيلها نساء (تقديراً) أكثر من 12 مليون امرأة معيلة (أي حوالي 30% من الأسر) تقارير قديمة (2018) المركز المصري لحقوق المرأة
الإناث اللاتي يملكن حسابات بنكية 47.5% 2022 مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار


وتذكر لنا احدى النساء المتضررات من فكره نظرة المجتمع للمرأة المستقلة ماديا او العامله وتوضح لنا كيف يفكر المجتمع أن المرأة المستقلة ماديا قليلة الانوثه وما هي المشاكل التي تواجهها تقول " "ندى  ر. " (اسم مستعار ) : " هذه الأسئلة كأنها توضح التفاصيل التي نعيشها كنساء مستقلات. بصراحة ، لا يوجد اجابة واحدة نقدر نقول انها "صح"، ولكن هذا احساس نعيش فيه انا و صديقاتي اللاتي يمشين فيه بنفس الطريق  ، يفرض علينا المجتمع الأنوثة التقليدية وهي " الأنوثة الناعمة"، او " الشخصية المستسلمة"، التي تحتاج احد يحميها ويصرف عليها من ماله الخاص ويتحكم فيها بشكل مادي . كأنك قطعة من الكريستال تريد دائمًا يد قوية تسندها. وعندما  تكوني هشة ومحتاجة، يظهر هذا مفهوم "أنثى كاملة". الإحساس بالاعتمادية هو جزء من القالب اللي لازم تتعودي عليه ، يُنظر إلى الاستقلال المادي للمرأة كخروج عن هذا التعريف لأنه بيكسر هذا القالب لانه عندما اعمل  واستطيع استقل ماديا وأتحمل مسؤولية نفسي، واقف عن احتياجي لحماية أو سند مادي من رجل. لأن الاستقلال المادي قوة، والقوة في قاموسهم هي صفة "ذكورية". لما المرأة تكون قوية، تهدد مفهوم الرجولة المبني على أنه هو القائم الوحيد على الشؤون المالية.


تكمل ندي لتخبرنا : أن الآليات التي تثبت مبدأ أن القوة الاقتصادية هي صفة ذكورية زي "المرسوم الاجتماعي" الذي يتم توريثه من زمان  الراجل هو اللي بيطلع للصيد وبيجيب الفلوس ، والمرأة في البيت لحد اليوم وعندما تنجحين ، بيقولولك : "ما شاء الله، عندك عقلية رجل أعمال" كأن النجاح المادي ما له لغة مؤنثة  بيستخدموا هذا المبدأ عشان يكونوا  ضغط اجتماعي عليكن و إذا أصبحت قوية ماديًا، هتخسري جاذبيتك كأنثى، أو تكوني صعبة المنال و تساهم وسائل الإعلام في تعزيز "وهم فقدان الأنوثة" و هذا هو أسوأ شيء الأفلام والمسلسلات بتجيب المرأة الناجحة إما تكون "المديرة القاسية" التي لا يوجد لديها وقت للحب ، او تكون ناجحة بس ما عندها أولاد أو زوجها خانها. تظهرها كأنها كائنًا ناقصًا أو شريرًا، وكأنه النجاح المادي هو السبب في تعاستها الشخصية يجعلنا نربط بين النجاح والوحدة ، وتضيف ندى أن أبرز أشكال الضغط الاجتماعي في العلاقات الشخصية في الزواج يخبروني ان لازم اتنازل ، واختار رجل "أقوى" منه ماديًا، ولا ينهار البيت . وفي الصداقات: أحيانًا بيحسدوكِ أو بيبعدوا عنكِ لأنك اصبحت أفضل  منهم. اما بالنسبة للأسرة: الأهل ممكن تضغطوا عن طريق الحديث في موضوع الزواج وانو لابد ان تتجوزي قبل ما تكبري وتقلل فرص الزواج بالنسبة لك وان الشغل غير دائم و الضغط هذا يزيد أكثر في الطبقات الفقيرة أو المحافظة لأن الاستقلال المادي هناك يعتبر تمردًا صريحًا على العادات والتقاليد المجتمعية .


وبالتالي  يؤثر الاستقلال المادي على الأدوار الجندرية التقليدية داخل الأسرة، و يؤدي إلى صراع الأدوار  تكمل ندى : بالتأكيد يؤدي لـ صراع أدوار، خصوصًا مع الشريك. إذا أنا بدفع نصف إيجار البيت، ليه لازم أرجع من الشغل و اعمل الغداء وجدي ؟ الرجل بيشوف إنه من حقه أخدمه لأنه "دور المرأة"، بس أنا أرى  إنه ما دام أنا شريكة في الإنفاق، لازم أكون شريكة في المسؤوليات المنزلية. هذا التضارب يخلق توتر دائم، وأكثر رجال يرفضوا يغيروا أدوارهم، وهذا هو الصراع ، ويؤثر هذا الضغط على الخيارات الشخصية للمرأة المستقلة ماديًا بيخلينا نتأخر في الزواج، أو أحيانًا نفضل العزوبية، لأن الرجل المناسب الذي يتقبل قوتك ونجاحك صعب يكون موجود ويجعلنا ا نخاف من الإنجاب، لأننا بنفكر: " مين اللي هيشيلني ؟ "أنا معي أموال  بس مين يستطيع تقديم الدعم النفسي وكتير بنختار شركاء أقل نجاحًا عشان لا نحس بالخوف أو المنافسة، بس هذا برضه له مشاكله ، ايضا انا انصح باستخدام بعض استراتيجيات المقاومة النفسية والاجتماعية التي تتبناها النساء لنستطيع التعامل مع ضغط "وهم فقدان الأنوثة" أول شئ ، "فلترة" الناس نتعلم نحط حدود، والبعد عن أي شخص يحاول يحسسنا بالذنب عشان نجاحنا. ثاني شئ التضامن النسائي، أو "القبيلة النسائية" نتجمع مع بعض وندعم بعض، ونقول لبعض: "أنتِ ناجحة، وأنتِ أنثى، وقوتك جزء من جمالك". وثالث شئ، العلاج النفسي (أو القراءة والوعي الذاتي) عشان ما نقع في حفرة تصديق هذا "الوهم" اللي زرعوه فينا. 


تختم ندي كلامها عن فقد الانوثه والاستقلال المادي : لابد من وجود  بعض التغييرات الهيكلية والمؤسسية اللازمة لدعم المرأة العاملة والمستقلة ماديًا القوانين لازم تتغير لازم يكون فيه دعم أكبر إجازة الأبوة عشان الأب كمان يتحمل مسؤوليته. لازم يكون فيه مساواة حقيقية في الأجور. والمهم، لازم المدارس تعلم الأولاد والبنات من الصغر إنه المسؤوليات المنزلية مشتركة، وإنه لا عيب في عمل المرأة أو قوة الرجل في الرعاية. المؤسسات لازم تبطل تنظر للمرأة كـ "مشروع زواج" وتشوفها كـ "قوة عاملة ومساهمة" ، وفي النهاية  يمكن للمرأة المستقلة ماديًا أن تعيد تعريف الأنوثة في سياقها الخاص، لتشمل القوة الاقتصادية والقيادة و الأنوثة بالنسبة لي صارت مرادفة للقدرة على خلق حياتي الخاصة، القدرة على اتخاذ القرار، والقدرة على مساعدة عائلتي. القوة الاقتصادية عندي هي مصدر للأمان، مش مصدر فقدان الأنوثة. لازم نفهم ونؤمن إنه الأنوثة مش مرتبطة بالتبعية، الأنوثة هي مساحة واسعة فيها رقة وقوة، حنان وقيادة. أنا بدمج القوة والحنان، وهذا هو تعريف الأنوثة الجديد " . 


وفي ختام، يظل السؤال عن التوفيق بين الأنوثة والاستقلال المادي ليس مجرد تساؤل شخصي تطرحه المرأة على نفسها، بل هو أداة ضغط ثقافية ممنهجة تُستخدم لتعطيل التمكين الاقتصادي للمرأة. بالأرقام الرسمية تُظهر أن نسبة مساهمة المرأة في قوة العمل (حوالي 15-18%) لا تزال قليلة جداً مقارنة بالرجل، وهذا الانخفاض ليس نتيجة نقص ذاتي، بل نتيجة مباشرة لهذا الصراع المفتعل بين "النجاح المهني" والقبول الاجتماعي".


و المفهوم التقليدي للأنوثة المُقتصر في صورة الكائن الهش، المُعتمد مادياً، والمُنحصر دوره في الرعاية المنزلية لإرضاء الشريك  هو بمثابة سقف زجاجي غير مرئي يهدف إلى إبقاء المرأة في حالة من الـ "الاهتزاز" الدائم بين تحقيق الذات المهني وبين الحفاظ على جاذبيتها المجتمعية. وكما أوضحت ندى، يتم تعزيز هذا الوهم عبر آليات ثقافية وإعلامية تصف المرأة الناجحة بأنها كائن ناقص أو وحيد.


لم يعد مقبولاً اليوم أن يكون الاستقلال المادي للمرأة عقاباً يؤدي بها إلى "تهمة فقدان الأنوثة". يجب أن يتحول النقاش من اتهام المرأة بـ "الخسارة" إلى إعادة تعريف شاملة للأنوثة والرجولة معاً. إن الأنوثة الجديدة التي تسعى النساء لترسيخها هي أنوثة قوية، قيادية، قادرة على اتخاذ القرار، ومساهمة اقتصادياً، وهي لا تنفي الرقة والحنان بل تستمد منهما قوة إضافية.


إن التغيير الحقيقي لا يبدأ بتكيف المرأة مع الضغوط، بل بفرض المجتمع لقوانين جديدة: تبدأ بالمساواة الحقيقية في الأجور، مروراً بسنّ إجازة أبوة فاعلة لتقاسم أعباء الرعاية، وصولاً إلى تغيير المناهج التعليمية والثقافة الإعلامية التي يجب أن تُقدم نموذجاً للأسرة الشريكة في الإنفاق والمسؤوليات.


وفي نهاية المطاف، الاستقلال المادي للمرأة ليس مجرد حق اقتصادي، بل هو حق أصيل في الأمن والقرار و الحرية، وهو حجر الزاوية لبناء مجتمع أكثر قوة وازدهارًا تتكامل فيه القوتان الأنثوية والذكورية دون صراع أو احتكار للأدوار.

مقالات اخري

article 1
١٨ أكتوبر ٢٠٢٠
العنف الذي تتعرّض له النساء المستقلات ماديًا: حين يصبح الاستقلال تهديدًا للنظام الأبوي
كلما ازدادت النساء قدرةً على إعالة أنفسهن واتخاذ قراراتهن الحياتية بمعزل عن هيمنة الأسرة أو السلطة الذكورية، اشتدّت مقاومة المجتمع الأبوي لمحاولاتهن في التواجد بحرية فالاستقلال المادي للنساء لا يُنظر إليه كخطوة طبيعية نحو النضج والاستقلالية، بل كخروج “مقلِق” عن القوالب التقليدية التي يُفترض أن تظل النساء محصورة داخلها،  ومن هنا يبدأ العنف—بصورة الصامتة والعلنية—في […]
قرائة المزيد
article 1
١٨ أكتوبر ٢٠٢٠
“ثمن الاستقلال: حين يتحول استقلال النساء إلى تهمة”
  تعيش النساء في عالم تتقاطع فيه المسؤوليات اليومية مع القيود المجتمعية، وتتداخل فيه رغبتها في الاستقلال مع نظرات الشك والاتهام وبينما تسير مجتمعات كثيرة نحو الاعتراف بحقوق النساء وتمكينهن اقتصادياً واجتماعياً، ما تزال أنماط التفكير القديمة تحاصر آلاف النساء؛ فتصف العاملة بالطمع، والمستقلة بالأنانية، والطموحة بالتمرّد على “الدور الطبيعي ومع ذلك، تُولد من قلب […]
قرائة المزيد